المذكرات التى كتبتها زوجة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بخط منمق وجميل هكذا تحدثت تحية جمال عبدالناصر (4)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
عدد المساهمات : 547 تاريخ التسجيل : 08/07/2011
موضوع: المذكرات التى كتبتها زوجة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بخط منمق وجميل هكذا تحدثت تحية جمال عبدالناصر (4) الأحد سبتمبر 30, 2012 4:42 pm
المذكرات التى كتبتها زوجة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بخط منمق وجميل هكذا تحدثت تحية جمال عبدالناصر (4)
منتدى/ملاك صدام حسين الاثنين, مايو 30, 2011 هكـذا ظهـر أنـور السـادات لأول مـرة ثـورة «تصحيـح المسابقـات» التـي قادهـا جمـال فـي 23 يوليـو
في ليلة 23 يوليو 1952 سألت السيدة تحية كاظم زوجها جمال عبد الناصر لأول مرة منذ زواجهما «رايح فين»؟ كان جمال قد ارتدى بذلته العسكرية وتأهب للخروج، ما أثار مخاوف الزوجة، وحين سألته قال إنه خارج من أجل التصحيح، وكان يعني تصحيح أوراق امتحانات طلبة كلية أركان الحرب، حيث كان هذا رده كلما رصدت زوجته واحدا من خروجاته الغامضة تحضيرا للثورة. غير أنه قبل ذلك بشهور حدث الآتي كما تروي السيدة تحية كاظم في مذكراتها: حضر زائر قبل رجوع جمال من الشغل وجلس في الصالون ينتظره، وبعد حضور جمال طلب الغداء مع الضيف. ثم حضر الزائر بضع مرات ينتظر جمال ويتغدى معه، وكان «المراسلة» عندما يفتح الباب له ويدخله الصالون يقول لي: إنه الضيف الذي يحضر وينتظر جناب البكباشي ويتغدى معه. وطبعًا لم يكن يترك ورقة مكتوبا عليها اسمه. قال لي جمال: إنه ضابط مكان شغله ليس في القاهرة، ويسكن الروضة، وهو الآن حضر في إجازة.. وكان هذا الزائر أنور السادات. وبعد بضعة أشهر والوقت بداية صيف سنة 1952 على ما أذكر.. حضر زائر، وكان بعد خروج جمال في المساء قبل المغرب، وكان المراسلة غير موجود ففتحت له الباب وسأل عن البكباشي جمال عبد الناصر، فقلت له إنه خرج.. فكتب ورقة وانتظرته حتى أعطاها لي.. وضعتها فوق البيانو كعادتي، وبعد رجوع جمال أخبرته بحضور الضيف وأنه أعطاني الورقة بعد أن كتبها، وقلت: إنه أسمر شديد السمرة، فقال: إنه متزوج حديثا وزوجته بيضاء جدًّا.. وكان هذا الضيف أنور السادات. ذلك كان أول ظهور لأنور السادات في مذكرات السيدة تحية عبد الناصر الخاصة بحياتها قبل الثورة .. لكن اسم السادات يختفي طويلا ثم يعود بإلحاح في أحداث النكسة وعند رحيل عبد الناصر. نحن الآن في الأيام السابقة على 23 يوليو ابتداء الصيف.. شهر مايو ويونيه سنة 1952 في شهر رمضان.. البيت كما هو.. الحركة والخروج والسهر حتى السحور، وحضور الزوار قبل موعد الإفطار وبعد الإفطار. وانتهى رمضان وكان يوم العيد فنذهب لزيارة أخواتي.. قال لي جمال: نذهب لشقيقاتك في الجيزة.. وهما اثنتان تقطنان في عمارة واحدة. ركبنا العربة.. هدى ومنى وخالد في الخلف وأنا بجواره أحمل ميدو البيبي. عندما اقتربنا من البيت، وهو على شارع الجيزة نظر إلي جمال وقال: تحبي أمشي بكم شوية للهرم والجو لطيف. قلت له: نعم إنه يسرني ومعنا الأولاد.. شكرًا. ومشينا بالعربة في طريق الهرم، وأوقفها بالقرب من صندوق بريد، وفتح مظروفا كبيرا كان في العربة وأخرج منه جوابات صغيرة الحجم وعددها كبير.. كمية جوابات، ووضعها في صندوق البريد ومشى بالعربة حتى قرب الهرم، ثم نظر لي وقال: نرجع بقى؟ قلت: نعم!. وأدركت أنها المنشورات.. ولم أقل كلمة ورجعنا والأولاد من الفسحة في طريق الهرم لزيارة أخواتي. بعد العيد مباشرة قال لي: عندي إجازة لمدة أسبوعين فقط، وسيكون امتحان الضباط في كلية أركان حرب وأنشغل.. نسافر إسكندرية نقضي عشرة أيام مع الأولاد؟ قلت: نعم نذهب لإسكندرية.. وكنت لم أذهب هناك منذ زواجنا، أي منذ ثماني سنوات، أما هو فقد ذهب مرات قليلة لمدة يوم أو يومين لزيارة والده وأخوته الذين يقيمون بها. وكان ذلك في يوم 29 يونيه سنة 1952.. خرجنا في الصباح في العربة «الأوستن» السوداء ومعنا أولادنا الى الإسكندرية وكان ميعاد زواجنا.. هنأني وهنأته بعيد زواجنا الثامن، وفي الطريق قال لي: إنها مصادفة.. اليوم عيد زواجنا ونحن نذهب معا ومعنا أولادنا بعد ثماني سنوات منذ ذهابنا معا. وقال: هناك سأبقى معك في الصباح على البلاج حيث أستحم في البحر مع هدى ومنى وخالد وسأحملهم وأعومهم، وبعد الظهر سأخرج ثم أرجع قبل المغرب وأخرج معكم في العربة حتى الليل.. يعني الساعة الثامنة أو التاسعة وأرجعكم اللوكاندة. وكان قد سافر من قبل وحجز لنا في لوكاندة بسيدي بشر، وكانت جديدة البناء وعلى البحر، ثم قال: وبعد ذلك سأخرج بمفردي لأقابل ضباطا هناك.. فقلت له بالحرف: هم إياهم دول برضه رايحين ورانا في إسكندرية؟ فضحك جدًّا وقهقه من كلمة إياهم وقال: كثير منهم سبقنا إلى هناك، ومنهم باقون في القاهرة. كنا في سيدي بشر وكل الحكومة تسكن سيدي بشر.. وأسمعه يردد اسم حسين سري ويقول: حسين سري سافر.. حسين سري حضر.. وكان منزله بالقرب من اللوكاندة، وكلما مررنا بمنزله في طريقنا ينظر إليه.. أي منزله ويردد اسمه وأنا لا ألتفت ولا أشعر بأن وجود حسين سري في إسكندرية أو عدم وجوده شيء مهم.. وكنت أرى أنها مجرد ملاحظة. كنا نذهب إلى البلاج أمام اللوكاندة ونجلس تحت الشمسية وينزل البحر ويأخذ هدى ومنى وخالد ويعومهم ويحملهم في المياه.. وأنا جالسة تحت الشمسية ألاحظهم وبجانبي كرسي الأطفال جالس فيه ميدو (عبد الحميد) البيبي الذي لم يتجاوز ثمانية شهور.. ونرجع وقت الغداء، وبعد ذلك يخرج ويغيب حتى الغروب - موعد خروجنا - ويقول: أنا كنت جالسا قريبًا من اللوكاندة في الكازينو مع بعض الضباط. وبعد أن نمشي بالعربة على الكورنيش يركنها ونتمشى سويًّا ساعة غروب الشمس، وفي المساء يوصلني اللوكاندة وقت العشاء، ثم يخرج وينام الأطفال وأبقى في الفراندة بعض الوقت وأنام حتى يرجع. في يوم 10 يوليو رجعنا للقاهرة. قبل مغادرتنا إسكندرية قال: نرجع من الطريق الزراعي. في أثناء عودتنا، رأيت اللافتات مكتوبا عليها تفتيش الأمير… تفتيش الباشا… وعليها أسماء لأمراء من الأسرة المالكة وباشوات من الإقطاعيين، والطريق الزراعي أغلبه ملك للملك والأمراء والباشوات فقلت: كل الأراضي والتفاتيش دي ملك للملك والأسرة والباشوات؟ فنظر لي جمال وأنا بجانبه وقال: سوف لا يكون هناك أراض ولا تفاتيش يملكها أمراء ولا باشوات!.. ولم أنتبه لقوله، ولم أعلق بكلمة ولم أفهم شيئًا. رجعنا من إسكندرية، وبعد أيام قليلة حضر أشقاؤه عندنا. والحياة في البيت كما هي والحركة في ازدياد بشكل غير معقول.. إذ كان عندما يرجع جمال من الشغل يكون في انتظاره ضباط، ويبقى معهم ويطلب الغداء ويظل معهم، وعندما يخرج لا يرجع إلا عند طلوع الفجر.. والوقت صيف والجو حار.. أنام وأصحو وأجد الوقت فجرًا ولم يحضر.. أقوم وأنتظر حضوره.. أنظر من الشباك.. وظل يخرج بالمسدس. الأسبوع الأخير قبل الثورة.. بعد رجوع جمال إلى البيت بعد طلوع الفجر دخل الحجرة، وبعد أن حياني كعادته قلت له: إني أخاف عليك وأخاف التشرد والأولاد.. فرد وقال: يا للأنانية كل ما يهمك في البلد هو زوجك وأولادك.. عائلتك فقط؟ يعني أنك لا تفكرين إلا في نفسك.. وانتهى الحديث ولم أقل كلمة، ومشى ليخرج إلى الصالة فالتفت لي وقال: تعالي نجلس سويًّا مع أخوتي في حجرة المكتب.. إنهم استيقظوا من النوم. وكان شقيقه يضع «سريرا سفري» في الحجرة أثناء الليل. جلست معهم.. وبعد قليل استأذنت وقمت لأخرج من الحجرة فقال لي: أين أنت ذاهبة؟ قلت سأذهب لأصلي.. فنظر في ساعته وقال: أسرعي حتى لا يفوتك وقت صلاة الفجر فالشمس قربت من الشروق.. وبدا على وجهه الارتياح والحب والعطف. وحتى الآن لم أفهم ما الهدف وما الغاية.. لم أفهم إلا خطورة ما يجري أمامي. قبل الثورة بأيام قليلة قال لي إنه مشغول جدًّا في امتحان كلية أركان حرب، وإنه يشتغل في تصحيح أوراق الامتحان، وقال لي: اخرجي وتسلي واذهبي إلى السينما مع أخواتك، واصحبي معك هدى ومنى وخالد - وكان عمره سنتين ونصف - ليروا ميكي ماوس واذهبي إلى سينما الفالوجة.. وهي قريبة من منزلنا، وممكن نذهب لها مشيا، أو أي سينما تعجبك في مصر الجديدة، وأغلبها صيفي الآن والجو حار.. فقلت: نعم سأذهب.. وبقيت كما أنا سعيدة هانئة كل وقتي مشغول، وذهبت للسينما واصطحبت الأولاد كما قال لي. قبل خروجه في الصباح قال لي: جهزي أكل زيادة لعدد من الضباط.. ويخرج بعضهم ويحضر غيرهم ثم ينصرفون، ويخرج إما بمفرده أو مع واحد منهم ثم يرجع البيت، ويظل يشتغل وينام ساعات قليلة. وظل جمال هكذا حتى قبل الثورة بيومين، وفي الليلتين قبل الثورة لم ينم وظل بملابسه العادية جالسا في حجرة السفرة على «الترابيزة» يشتغل. وفي الصباح في الساعة السابعة يدخل الحجرة ليستبدل بملابسه الملابس الرسمية، ونتناول الإفطار سويًّا، وقبل خروجه يقول لي: جهزي غداء زيادة، لأننا سنجلس كالأمس، في تصحيح أوراق الامتحان.. ويحييني ويخرج. وكان عبد الحميد - ابني البالغ من العمر ثمانية شهور - قد حصل له توعك، وكنت أريد تغيير غذائه ويلزم أن يراه الدكتور الذي يعالج أولادنا، فعندما رجع جمال من الشغل في الظهر دخل كعادته يلاطفه ووجده متوعكا فقلت: أريد الذهاب للدكتور لينظم له غذاءه.. متى لا تكون مشغولا حتى نذهب؟ فقال لي: إني مشغول جدًّا، فاطلبي الدكتور ليحضر هنا، أو يمكنك الذهاب في تاكسي.. وكانت تلك أول مرة لا يجد وقتا للذهاب معي للدكتور. وفي اليوم التالي ذهبت بمفردي. وكان قبل خروجه قد طلب أيضًا تجهيز غداء زيادة لعدد من الضباط. ليلة الثورة اليوم الثاني والعشرون من يوليو سنة 1952 الساعة السابعة صباحًا.. دخل جمال الحجرة وكان يلبس الملابس العادية.. القميص والبنطلون ولم ينم طوال الليل.. جلس في حجرة السفرة يشتغل كالليلة السابقة.. حياني واستعد للخروج واستبدل بملابسه العادية الملابس العسكرية وتناولنا الإفطار سويًّا. خرج ورجع عند الظهر، وتناول الغداء مع الضباط وظل معهم في الصالون وحجرة السفرة وقتا ثم خرج الضيوف. تحدث معي جمال وقال: لم لا تخرجين وتأخذين معك هدى ومنى وخالد وتذهبون للسينما والجو حار وتتسلون ويذهب معك أخوتي.. فقلت: نعم سأفكر في الذهاب. حياني وخرج. بعد خروجه وقرب المغرب، فضلت أن أخرج لأمشي بالقرب من الحديقة التي أمام قصر القبة، وكانت غير مزدحمة، مثل الآن، وأغلب البيوت فيلات، والمشي لطيف بالقرب من القصر، حيث رائحة الأزهار. خرجت، ومعي هدى ومنى وخالد ومشينا حتى بعد الغروب ورجعنا وكانت الساعة قبل الثامنة.. قال لي شقيقه: إن أخي حضر من وقت قصير وسأل عنك وعن الأولاد وأخبرناه بأنك تتمشين عند قصر القبة. وبعد قليل حضر جمال وكان يلبس القميص والبنطلون، ووجدني في الصالة مع الأولاد.. حياني وقال: أنا جيت، وسألت عنك ولم تذهبي للسينما.. فقلت له: إني فضلت الخروج والمشي في الهواء الطلق، والأحسن ألا أترك «ميدو» وأغيب عنه وقتا أطول.. فأخذ يتكلم مع أولاده ويلاطفهم ويقبلهم بحرارة ويقول لهم أسماء الدلع التي اعتاد أن يقولها لهم، ويقبل هدى ومنى وخالد وعبد الحميد وكنت أحمله على كتفي، وخرج بمفرده بنفس الملابس.. القميص والبنطلون. تناول الأولاد العشاء وناموا مبكرين كعادتهم، وظل ميدو البيبي حتى تناول وجبة الساعة التاسعة ونام.. وجلست مع الليثي وشوقي. وقبل الساعة الحادية عشرة مساء قمت ودخلت حجرة النوم. رجع جمال ودخل الحجرة وكنت مستلقية على السرير وكانت مضاءة. كان من عادته أن يغسل وجهه قبل النوم فقلت في نفسي: إنه لم ينم ولا ساعة منذ يومين وها هو ذا الليلة سينام مبكرا.. وجدته بعد أن غسل وجهه فتح الدولاب وأخرج البدلة العسكرية ووجدته يرتديها.. فقمت وجلست وقلت له بالحرف: أنت رايح فين بالبدلة الرسمية دلوقت؟ وكانت أول مرة أسأله أنت رايح فين منذ زواجنا.. فرد عليّ بكل هدوء وصدر رحب قائلا: أنا لم أكمل تصحيح أوراق كلية أركان حرب، ويجب أن أنتهي من تصحيحها، وغدا تكون كلها كاملة التصحيح، ومنذ يومين وأنا أشتغل هنا، والضابط الذي يجلس معي ونشتغل سويًّا قال لي نسهر الليلة في بيته نكمل تصحيح الأوراق، وسأذهب إلى الكلية وسوف لا أرجع البيت الليلة، وانتظريني غدًا وقت الغداء.. وحياني، وقبل خروجه من الحجرة قال لي: لا تخرجي.. الصالة الآن يوجد فيها ضابط ينتظرني.. وأغلق الحجرة بعد خروجه منها. بعد أن سمعت باب المسكن يقفل قمت وخرجت من الحجرة.. وجدت أخويه الاثنين جالسين في حجرة المكتب، فقلت لهما: إن جمال اعتقل.. فرد شقيقه ليثي قائلا: لا إنه لم يعتقل، اطمئني.. فقلت: إنه خرج وارتدى ملابسه العسكرية وينتظره ضابط كما حدث يوم أن اعتقله إبراهيم عبد الهادي. ـ أنا شايفة.. البيت مقلوب من ساعة حضورنا من إسكندرية بشكل غير معقول، والضباط والسهر حتى الصباح.. أنا متأكدة أن رئيس الوزارة الجديد نجيب الهلالي الذي عين منذ يومين اعتقله.. فقال شقيقه: لا أبدًا اطمئني إنه لم يعتقل.. وكان على المكتب مصحف أخذه في يده وحلف وأقسم إن جمال لم يعتقل.. فسكت وجلست في الحجرة مع أخويه. سألني أحدهما: هل تناولت العشاء؟ قلت: لا.. فقال إننا لم نتناول العشاء بعد.. فقمت وأحضرت عشاء خفيفًا من الجبنة تناولناه في حجرة المكتب. جلست معهما حتى قبل الثانية عشرة، ثم تركتهما ودخلت حجرة النوم.. واستلقيت على السرير. بعد دقائق - وكانت الساعة الثانية عشرة - سمعت صوت طلقات رصاص كثيرة شعرت بأنها صادرة من ناحية قصر القبة.. فقمت مسرعة وخرجت إلى الصالة ووجدت أخويه فقلت: هذا الضرب.. الطلقات في قصر الملك ولا بد أن يكون جمال من الذين يطلقون الرصاص ويهاجمون القصر.. وبكيت. استمرت الطلقات الكثيرة حوالي عشر دقائق، ثم سكتت دقائق، وعادت مرة أخرى لدقائق.. واستمررت في البكاء فقال لي أخوه: إن صوت الطلقات كما هو معروف يصدر من الناحية المقابلة لها، وليس من المكان الذي أطلقت منه، إنها ليست في القصر ولا تنشغلي، ونظر إلى المصحف وهم بأخذه في يده فقلت له: لا تلمس المصحف، سوف لا أصدقك وأنت تحلف يمينا دون أن تعلم شيئًا.. فرجع ولم يلمس المصحف. بقينا جالسين في حجرة المكتب وشعرت بأن شقيقه يريد النوم فقمت ودخلت حجرتي.. ولم أنم. وبعد وقت وكل البيت هدوء وسكون، قمت في الظلام لأرى الشارع بعد سماعي طلقات الرصاص الكثيرة، ومشيت لحجرة السفرة وفتحت الشباك أنظر إلى الشارع. وأنا واقفة في الحجرة في الظلام رأيت شقيقيه يدخلان وكانا في «الفراندة»، وعند رؤيتهما لي قالا: إننا انتظرنا نومك حتى نرى من الفراندة ماذا حصل.. فقلت: وأنا أيضًا انتظرت نومكما وقمت في الظلام لأنظر من الشباك وأرى ماذا حصل. ورجوتهما ألا يقفا في «الفراندة» ويظهرا، وقلت: أنا متأكدة أن البوليس والمباحث يراقبون بيتنا. وبقيت ساهرة أنظر من الشباك إلى الشارع وأنظر من «الفراندة»، وأحاول ألا أظهر خوفي من مراقبة بيتنا، وكنت أرى الشارع من «الفراندة» بسهولة ووضوح، كما وصفت البيت. كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عندما رأيت شابا يقف في ناصية الشارع، وهو ميدان المستشفى العسكري في ذلك الوقت. رأيت الشاب طويل القامة يزعق بصوت عال ويقول: عندك! ثم يتحرك ويمشي بخطوات ثابتة أسمع صوتها ويروح ويجيء ويقول: «عندك يا جدع» بصوت مرتفع. وأرى العربات تتحول وترجع من الشوارع الداخلية في كوبري القبة، ومنهم من كان يمر من الشارع الذي يقع يمين البيت المقابل لبيتنا. ولم أتبين، أنه كان صوت جمال، وأن الشاب طويل القامة الذي يتحرك بخطوات ثابتة ويقول «عندك يا جدع» بصوت عال في سكون الليل ويرجع العربات ويقفل الشارع، هو البكباشي جمال عبد الناصر.. زوجي الحبيب. بقيت واقفة في الفراندة والشباك ألاحظ هذا الشاب وهو يقفل الشارع وأنا قلقة وأقول: ماذا حصل وقت سماعي الطلقات؟ وكان همي ألا يكون جمال قد أصيب في هذه الطلقات. قبل الساعة الثانية صباحًا، رأيت العربات المصفحة والدبابات والجيش، وكان قد زود بأسلحة بعد حرب فلسطين، فرأيت وسمعت صوت الدبابات وهي تكركر وتمر في الشارع وتمشي في ميدان المستشفى العسكري، وكنت أعرف شوارع ثكنات الجيش وأمر عليها في خروجي، إذ كانت كلها قريبة من بيتنا. رأيت أخويه يقفزان من الفرح ويقبلان بعضهما وقالا: افرحي افرحي.. فقلت: وأين جمال؟.. والطلقات التي سمعناها؟ وأخذت أبكي وقلت: الآن أنا فهمت.. إنه انقلاب عسكري. وأخذ أخواه يهنئانني فكنت أسكت عن البكاء ثم أعود أبكي وأقول بالحرف: بس لو كنت أعرف فين جمال.. وطلقات الرصاص اللي سمعناها؟ قال شقيقاه: لقد أخبرنا قبل خروجه أنه ذاهب في مهمة خطيرة: فإذا رأيتم الجيش نازلا والدبابات والعربات اعرفوا أني نجحت، وإذا لم تروا شيئًا اسألوا عني غدًا واعرفوا أنا فين. قلت مرة أخرى: أنا الآن عرفت أنه انقلاب عسكري ونجح، بس أين جمال؟ أريد أن أطمئن عليه.. وكنت أبكي وبقيت جالسة حتى الصباح لم أدخل حجرة النوم. وفي الساعة السادسة والنصف صباحًا يوم 23 يوليه سنة 1952 سمعنا خبطا على الباب وفتح شقيقه، وكان الذي حضر ثروت عكاشة وطلب مقابلتي.. ذهبت له عند الباب فمد يده وهنأني قائلا أهنئك من كل قلبي.. نجح الانقلاب. فقلت على الفور: وفين جمال؟ قال بالحرف: هو قريب منك بينك وبينه خمس دقائق.. موجود في القيادة العامة وطبعًا تعرفينها؟ فقلت: أمر عليها كثيرًا وأعرفها جيدا.. وقال: اسمعي البيان في الراديو الساعة السابعة.. فشكرته وانصرف. فتحنا الراديو لنسمع البيان.. وكان هناك عطل في الإذاعة حتى الساعة السابعة والثلث.. وسمعنا البيان الذي قرأه أنور السادات. في الساعة التاسعة، حضر صف ضابط وقال إنه من القيادة العامة في كوبري القبة، وأن الذي أرسله البكباشي جمال عبد الناصر ليخبرني بأنه بخير والحمد لله، وأنه سوف لا يحضر وقت الغداء وموجود في القيادة. حضر أخي ودخل.. وكنا في الصالة، شقيقاه وأنا.. بعد أن صافحته قلت له كان يجلس فقال: أنا مستعجل وتركت مكتبي وحضرت، ويوجد عندي ناس ينتظروننى وتركتهم وقلت لهم سوف لا أغيب، وليس لدي وقت للجلوس.. وقال: أنا رأيت الشوارع فيها جيش ودبابات، والإذاعة محاطة بالجيش، وكل الميادين والأماكن المهمة فيها جيش، وسمعت أن الجيش قام بانقلاب عسكري فانشغلت على البكباشي جمال، وحضرت لأطمئن، لعله لا يكون من هؤلاء الضباط لأن الملك سوف لا يتركهم، وسيعدمهم فورا، وأنا متأكد من ذلك.. فقلت له: اطمئن جمال لا يتدخل في السياسة، وسألني: متى خرج من البيت؟ قلت: كالعادة خرج قبل الثامنة صباحًا، وصافحني وخرج قبل أن نقدم له عصيرا أو قهوة.. فنظر إلي شقيقاه وهما يبتسمان.. وابتسمت، وما أن سمعت باب عربته يقفل وتتحرك حتى ضحكت وشاركني شقيقاه في الضحك وقهقها، ووقفنا نضحك.. ولم أعر كلامه أي اهتمام، وكل ما قاله لي كان في نظري هراء بل أضحكني. كنا نستمع للراديو وقراءة البيان طول النهار، ونسمع صوت الطائرات وهي تحلق في سماء القاهرة وتمر فوق كوبري القبة باستمرار منذ الصباح. في الساعة العاشرة مساء حضر جمال، وبعد أن هنأته من كل قلبي قال: سأبقى ساعتين فقط وأرجع إلى القيادة. وحلق ذقنه وأخذ حماما واستبدل ملابسه وجلس معنا في حجرة المكتب. أخبرته عن أخي وحضوره في الصباح وسؤاله عنه وقلقه عليه، وما قلته له.. ولم أذكر ما قاله لي عن الملك وعن رأيه فيما سيفعله، فقال لي: إنه سيدهش غدًا، إذ سيراني في الجرائد ويرى صورا لي في عربة جيب، وقال إنه لف الشوارع الرئيسية في البلد مع اللواء محمد نجيب - وكانت أول مرة أسمع اسمه - وإن البلد كلها خرجت لتحيتهم وكلها حماسة. قلت له: إني طول النهار أسمع الطائرات تمر من فوق البيت، وحكيت له عن سهري طول الليل حتى الصباح، وقلقي عليه عند سماعي طلقات الرصاص. قال جمال: لقد اقتحمنا القيادة العامة بفرقة من الجيش ومعي عبد الحكيم عامر، ولم يصب إلا اثنان فقط من الجنود.. واحد من حرس القيادة وواحد من الفرقة التي معنا. واستسلم كل الموجودين في القيادة وكانوا مجتمعين، وأخذتهم واحدا واحدا وأدخلتهم في مبنى المدرسة الثانوية العسكرية - وكان في منشية البكري في ذلك الوقت - ثم قال: وسلمتهم للسجان حمدي عاشور.. وضحك. وبعد أن تم كل شيء، خرجت لأقفل الشارع وأرجع العربات المارة قبل مرور الجيش، وكنت واقفا على ناصية الشارع، وركنت العربة «الأوستن» بالقرب مني.. وأضاف وهو يضحك: لم تقلقين وأنا قريب منك على ناصية الشارع، والعربة «الأوستن» بالقرب مني في ميدان المستشفى العسكري؟ فقلت: إنك كنت قريبا لكن بعيدًا جدًّا.. وكان يضحك. وتحدث عن الملك وقال: لقد أرسل الملك مبعوثا من قبله وأملينا عليه تغييرات وشروطا، وكل ما طلبناه منه وافق عليه فورا. وحدثته عن حضور ثروت عكاشة في الصباح وتهنئته لي وقوله: اسمعي البيان في الساعة السابعة.. وسمعته. فقال جمال: إنه أنور السادات، وقال: لقد كان هو وزوجته في السينما، وعندما رجع لبيته وقرأ الورقة المكتوب فيها أن يحضر ارتدى ملابسه العسكرية وخرج مسرعا، وفي طريقه للقيادة عند مدخل مصر الجديدة منعه الضابط المكلف بالوقوف، هناك لعدم معرفته كلمة السر، وبعد إلحاح سمح له الضابط بالمرور، وعند مدخل القيادة منع أيضًا من الدخول فلف ودار حول القيادة دون جدوى، وأخيرا نادى، وصاح فسمعه عبد الحكيم، وعلمت بحضوره ودخل القيادة عند الفجر، وفي الصباح أعطيته البيان ليقرأه في الإذاعة. وكان جمال عبد الناصر يضحك وهو يحكي عن أنور السادات. وفي الساعة الثانية عشرة مساء قام جمال وقال لي: لا تنتظريني فسأبقى في القيادة.. وحياني وخرج.
المذكرات التى كتبتها زوجة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بخط منمق وجميل هكذا تحدثت تحية جمال عبدالناصر (4)