نظرة على مفهومي المواطنة والديمقراطية في المجتمع الفلسطيني والمجتمعات العربية(2)
كاتب الموضوع
رسالة
ملاك القدسي
عدد المساهمات : 221 تاريخ التسجيل : 08/07/2011
موضوع: نظرة على مفهومي المواطنة والديمقراطية في المجتمع الفلسطيني والمجتمعات العربية(2) الجمعة سبتمبر 21, 2012 11:53 am
نظرة على مفهومي المواطنة والديمقراطية في المجتمع الفلسطيني والمجتمعات العربية (2) تمس شرفه أو سمعته وحق كل مواطن في حماية القانون له ، وحق التعاقد لكل مواطن في الدولة ، وحقه في حرية الفكر ، والوجدان والدين واعتناق الآراء وحرية التعبير. 2- الحقوق السياسية : وتتمثل هذه الحقوق بحق الانتخابات في السلطة التشريعية والسلطات المحلية والبلديات والترشيح ، وحق كل مواطن بالعضوية في الأحزاب وتنظيم حركات وجمعيات ومحاولة التأثير على القرار السياسي وشكل اتخاذه من خلال الحصول على المعلومات ضمن القانون والحق في تقلد الوظائف العامة في الدولة والحق في التجمع السلمي . 3- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية :- وتتمثل الحقوق الاقتصادية أساساً بحق كل مواطن في العمل في ظروف منصفة، والحق في الحرية النقابية من حيث تكوين النقابات والانضمام إليها والحق في الإضراب ، وتتمثل الحقوق الاجتماعية بحق كل مواطن بحد أدنى من الرفاه الاجتماعي والاقتصادي وتوفير الحماية الاجتماعية، والحق في الرعاية الصحية والحق في الغذاء الكافي، والحق في التأمين الاجتماعي والحق في المسكن والحق في المساعدة والحق في التنمية، والحق في بيئة نظيفه والحق في خدمات كافيه لكل مواطن ، إلى جانب الحق بالتعليم والثقافة .
والسؤال ... أين مجتمعنا الفلسطيني والمجتمعات العربية من هذه الحقوق ؟ إن هذه المجتمعات تجابه عموماً أنظمة محكومة من خلال الفرد القائد وأجندته الأمنية بدرجات متفاوتة بين الرئاسة "الجمهورية" وبين أنظمة "المشيخات والأمراء والملوك" حيث سادت واختلطت فيها مظاهر الاستبداد التقليدي أو المحدث ، بأنواعه ، الديكتاتورية ، والأتوقراطية ، والثيوقراطية ، التي تضمن احتكار الحكم ومركز السلطة من ناحية، ومن خلال "احتكار مصادر القوة والسلطة في المجتمع "عبر اختراق مختلف مستوياته ومؤسساته الحكومية والمجتمعية وجامعاته وأحزابه ان وجدت"، من ناحية ثانية ، بحيث باتت المجتمعات العربية في المرحلة الراهنة، تعيش رهينة طغيانين[13]: "الطغيان السياسي الذي يتحكم بسلطة الدولة ليهمش المجتمع ويستبعده من أي قرار، والطغيان الفكري الذي يتحكم بالرأي العام ويحوله إلى كتلة واحدة صماء وتابعة معا. وكلاهما يقومان على نفي الفرد وتجريده من استقلاله وحرية تفكيره ووعيه النقدي في سبيل إلحاقه بهما واستتباعه. فالطاغية (ملكا أو رئيسا أو أميرا أو شيخا) لا يقبل بأقل من الاستسلام والإذعان، وصاحب الوصاية الدينية لا يقبل بأقل من التسليم والانصياع لما يعتبره الرأي الصحيح والتفسير الحق". من هنا ليس من المبالغة القول، إن هناك تحالفا موضوعيا بين احتكار السلطة واحتكار الحقيقة. فهما يكملان بعضهما البعض . لا يعيشان إلا معا ولا يتواجدان إلا متجاورين ومتضامنين. فهما يتغذيان من نتائج عملهما المتبادل. فبقدر ما يجرد الطغيان السياسي الفرد من وعيه وضميره وحسه النقدي، أي من إرادته واستقلاله، يحوله إلى لقمة سائغة لأصحاب المشاريع الدينية أو المشاريع السياسية الهابطة بصورة إكراهية وبدواعي الحرص على تأمين لقمة العيش ". وأمام هذا الواقع .. لابد من أن نملك الجرأة على أن نعترف : فإن تكن حكومتا رام الله وغزة غير الشرعيتين ، أو الحكومات العربية القائمة، تقيم العثرات أمام الآلية الديمقراطية ، فإن المجتمعات العربية الراهنة ، في ظل مظاهر الإحباط أو اللامبالاة المنتشرة بين الناس بسبب الفقر والتخلف والجهل وضعف تأثير المعارضة عليهم، فإنها تسهم في مزيد من العثرات أمام الثقافة الديمقراطية . فإذا كانت هذه الحكومات لا تتحمل انتخابا حرا، فإن موافقة " أحزاب" الأنظمة ومثقفوها على استخدام الديمقراطية تتوقف عند الشكل أو الممارسة، في السياسة فقط ، لكنهم يرفضونها في الفكر، كما يرفضون– بصورة أكثر وضوحاً – تطبيق أي جانب من جوانب الديمقراطية الاجتماعية ، الأمر الذي يعيد شعوبنا دوماً إلى نقطة الصفر من جديد باسم هذه الديمقراطية الشكلانية. لذلك كله ، يبدو من غير المنطقي في أوضاعنا الحالية، أن نتحدث عن تنشيط عنصر المواطنة أو عن المجتمع المدني بمعزل عن سلطة ديمقراطية قوية ببرنامجها وبنظامها الدستوري وقوانينها المطبقة على الجميع ... لأننا محكومون بإرادات ومصالح متنافرة وأهداف وممارسات نقيضه لمفهوم المواطن، والحريات الفردية في الرأي والمعتقد والعدالة الاجتماعية . فعلى سبيل المثال ، يمكن الإشارة في هذا المجال، إلى حالة المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع راهناً، فحيث تكون هناك إرادات فردية أو حزبية، تَدَّعى كل منها "المصلحة الوطنية" وتمارس في نفس الوقت كل أشكال الاقتتال والصراع الدموي والاستبداد والداخلي ، تتهاوى الأهداف الوطنية، لحساب الإرادات الحزبية وبرامجها الفئوية المعبرة عن مصالح شرائح اجتماعية وطبقية تسعى إلى فرضها على الجمهور بقوة القمع والاستبداد ، بصورها المباشرة وغير المباشرة، كما هو حالنا مع حركتي حماس في قطاع غزة، وفتح في الضفة الغربية ، وحين يصبح الأمر على هذه الشاكلة، لا يكون هناك قانون، وتصبح السلطة عارية وضعيفة ومفككة إلى إرادات متنافرة، ويصبح الشعب مجرد كتلة سلبية هامدة أو "جماهير" محبطة أو مستسلمة لـ "أقدارها"، تُستَخدم لحساب تلك الإرادات والمصالح . وفي هذا الجانب فان الوحدة الوطنية لا تعني، في أي حال من الأحوال، طمس الفروق ونفي الاختلاف وإلغاء المصالح الخاصة المتعارضة، بل تعني إعادة بناء الوجود الاجتماعي على مشتركات لا تفاوت فيها بين الأفراد والجماعات ولا تنازع عليها، وبالتالي فان المواطنة، هي الشيء المشترك بين جميع مواطني الدولة الحديثة، فبدون مبدأ المواطنة لا يمكن أن يقوم مجتمع ديموقراطي حديث تسوده التعددية والحريات في إطار وحدته الداخلية. ومن ثم ، يجب إعادة التفكير في مفهوم الدولة الوطنية (والسلطة)، في ضوء الوقائع القائمة على الأرض ، أي في ضوء الواقع العياني ، إذ أن التفكير في السلطة أو الدولة وإعادة تعريفها في بلادنا، هو في الوقت ذاته تفكير في مستقبل الأمة العربية وإعادة تعريفها ، بدلالة الدولة الديمقراطية الحديثة، لا بدلالة الرغبات والأوهام الذاتية أو البرامج والرؤى المستندة إلى منطق الإسلام السياسي، الذي يتجاوز الدولة الوطنية أو القومية أو المنطق السياسي اليميني الهابط الذي يراهن على أوهام التحالف الإمبريالي الصهيوني في صياغة السلطة أو الدولة . نشدد في القول على أن الدولة، أي دولة، بقدر ما تكون ملتزمة قانونياً وفعلياً بمبادئ ومفاهيم العقلانية والعلمانية والديمقراطية، وبقدر ما تظل وفية لهذه المبادئ تتيح أفضل الفرص لنمو هذه الانتماءات وتطورها، في رحاب المجتمع السياسي وتطوره الداخلي كشرط لبلورة المجتمع المدني، بما يضمن بناء العلاقات الاجتماعية على مبدأ المواطنة، الذي يعني المساواة والمشاركة والمسؤولية. فالفرد في دولة القانون والحق هو المواطن الذي يهب الدولة مشروعيتها عبر الآليات الديمقراطية، والدولة هي مجموع المؤسسات الممثلة والضامنة للحق العام وللحقوق الفردية، ومن هنا اقتران الدولة الحديثة بالديمقراطية، إذ لا يمكن أن تقوم دولة القانون إلا في إطار ديمقراطي (نشير هنا إلى الركيزتين الأساسيتين للديمقراطية وهما النسبية والتعددية، فلا مطلق في الديمقراطية سوى النسبي وحده، فالديمقراطية هي علاقة بين أطراف متعددة، وإذا غاب التعدد غابت الديمقراطية، بل لعل دولة القانون هي من مقتضيات الديمقراطية الفعلية ومستلزماتها) . أما بالنسبة لأوضاع السلطة الفلسطينية الراهنة ، من حيث انقسامها وتفككها والصراع بين طرفيها ، فليس لدينا أي وهم في أن النظام السياسي الفلسطيني الراهن، يكتنفه الكثير من المعوقات الإسرائيلية الأمريكية، التي تجعل من تحققها نوعاً من الوهم في ظل الخلل الفاضح في موازين القوى الراهنة، لكن الأمر في تقديرنا، يختلف بالنسبة لتحقق وتطبيق مفهوم المواطنة الفلسطينية – كإمكانية في إطار النضال التحرري والديمقراطي- رغم إدراكنا لصعوبة إنجازها بين عشية وضحاها، لا بحكم المصاعب والشروط الإسرائيلية الأمريكية التي تعترض طريقها فحسب، بل بحكم عوامل الصراع الداخلي بين القطبين الرئيسيين في مجتمعنا، التي تحول دون مشاركة جميع الفئات الاجتماعية مشاركة إيجابية في عملية البناء، الديمقراطي الفلسطيني بسبب عدم توفر الشروط الذاتية والموضوعية في ظل هذا الانقسام السياسي والانقسام الاجتماعي والصريح بين هويتين، الهوية الوطنية وهوية الإسلام السياسي، ما يتطلب البحث والضغط من أجل تفعيل العناصر والمساحات المشتركة بينهما – وهي إمكانية قابلة للتحقق – بما يعيد إطار وحدة الصف الوطنية الفلسطينية، بالمعنى السياسي والمجتمعي، القائم على التعدد والاختلاف تحت مظلة الديمقراطية، كضمانة وحيدة لتوليد وبلورة مفهوم المواطنة، أما المسألة الثانية في هذا الجانب، فهي ترتبط بمفهوم المواطنة وكيفية تطبيقه على مجتمعنا الفلسطيني وفق ضرورات مرحلة التحرر الوطني والديمقراطي، الأمر الذي يستوجب توحد مفهوم المواطنة والديمقراطية مع مفهوم الحرية، سواء بمعناها الفردي أو الجمعي في مسيرة النضال التحرري والديمقراطي، بما يعزز توليد آليات ومضامين "المجتمع المدني" في هذه المرحلة، إذ أن توصيفنا لطبيعة المرحلة الراهنة – كمرحلة تحرر وطني وديمقراطي - يحمل في طياته كافة مفاهيم وتطبيقات النضال من أجل الحرية والاستقلال وحق العودة والديمقراطية وعوامل البناء والصمود الداخلي، إلى جانب تكريس الشعور والوعي بمفهوم المواطنة. ذلك إن الوطنية الفلسطينية التي نعني : هي عضوية كاملة في النظام السياسي التحرري والديمقراطي الفلسطيني المرتبط راهناً ومستقبلاً بالمشروع النهضوي الديمقراطي العلماني التقدمي العربي ، وتحت هذا المستوى السياسي هي عضوية كاملة في المجتمع المدني الفلسطيني المأمول، الذي يمكن أن يتبلور وتتمدد معالمه إذا ما طبقنا قواعد الديمقراطية وحقوق المواطنة بصورة شاملة في بلادنا، بالاستناد إلى إدراكنا لضرورة تفعيل العلاقة بين النضال التحرري ومقتضيات الصمود والمقاومة والنضال السياسي عموماً ، وبين عملية الإنتاج الاجتماعي ، الأمر الذي يفرض ويضغط علينا بإلحاح في إطار اليسار الماركسي الثوري ، أن نسعى إلى تحقيق هذه العملية التفاعلية ، وذلك عبر تحليلها واستيعابنا ، للظاهرات القائمة عندنا اليوم في الضفة وقطاع غزة وأبرزها: 1- الحصار والاحتلال الصهيوني وسبل الإعداد السياسي والفكري والتنظيمي والجماهيري لمقاومته وطرده من بلادنا . 2- ضعف وسائل الضغط الشعبي المتصل لوقف مظاهر الانقسام واستعادة وحدة النظام السياسي الديمقراطي الفلسطيني . 3- الركود الاقتصادي والفقر والبطالة. 4- ضعف وتفعيل التواصل السياسي والمؤسساتي مع أبناء شعبنا في الشتات وتكريس كل الجهود النضالية تحت شعار حق العودة . 5- تعطيل النظام الأساسي والعملية الديمقراطية بمجملها ، إلى جانب تفكك السلطة إلى "حكومتين" ، وتفكك المجتمع إلى "مجتمعين" أحدهما في غزة والآخر في الضفة، وما أدى إليه هذا الوضع من غياب الإرادة العامة للشعب ووحدته الوطنية . في ضوء ما تقدم، فإن مفهوم الوطن ومقتضيات الدفاع عنه وتحريره من العدو أو الإسهام في بنائه وتطوره، لا يتحقق موضوعياً من دون الممارسة الفعلية في تطبيق مفهوم المواطنة، وبالتالي فان حرية الوطن واستقلاله لا تعني شيئاً إذا لم تتأسس على حرية المواطن، التي تكفل وتعزز بدورها تأجيج وتوسع والمقاومة بكل أشكالها الكفاحية والسياسية- كتجسيد لحرية المواطن باعتبارها المدخل الأول أو الأصل في أية ممارسة نضالية تحررية أو ديموقرطية، فإذا ما بقيت شعوبنا –على المستوى الفردي فاقدة لحريتها، فإنها ستعيش حالة من الاستبداد والخوف الكامن في صدورها، لن يمكنها من الدفاع عن الوطن أو عن حقوقها الديمقراطية أو حقوقها في العدالة الاجتماعية ، لذلك لا بد من كسر هذه الحالة كشرط أول لمراكمة مقومات ومضامين مفهومي المواطنة والديمقراطية وتطبيقاتهما، فالعلاقة بين المواطن والوطن تناظر العلاقة بين الحرية والقانون. فالديمقراطية في المقام الأول صيرورة اجتماعية تاريخية موضوعية لا سبيل إلى فهمها إلا بتسليط الضوء على منابتها في التشكيلات الاجتماعية التي شهدتها ، بمعنى أنه علينا تحديد القوى الاجتماعية المؤيدة والأخرى المناهضة للديمقراطية وأسباب ذلك . وللنفاذ إلى جوهر الديمقراطية الليبرالية (البرجوازية ) ، قد يكون من المفيد أن نبدأ بالقول إن وجود برلمان ليس ضمانة في حد ذاته على وجود ديمقراطية في المجتمع ؛إذ يمكن أن يسخر البرلمان أداة لطمس الديمقراطية وقواها في المجتمع . والنقطة المهمة هنا هي أن أهمية البرلمان لا تكمن في شكله المؤسسي ، وإنما تكمن في مضمونه الطبقي. إذ أن جوهر الديمقراطية ، وآلياتها التطبيقية في أي مجتمع ، يقوم على إدراك الرئيس المنتخب بأنه سيعود بعد انتهاء مدتهِ، مواطناً عادياً من ناحية ، وإدراك كل مواطن أن من حقه ترشيح نفسه ليكون رئيساً من ناحية ثانية ، هذا ما يتوجب أن تدركه الحركات والقوى السياسية في بلادنا، خاصة حماس والتيارات الدينية، حتى لا تتحول الديمقراطية من مهد للآمال في التحرر والتغيير والتقدم إلى لحدٍ لكل هذه الآمال. ومن المؤسف والمحزن في أن كل القوى السياسية عموماً، وحركتي فتح وحماس خصوصاً، لم ترتق إلى مستوى العمل على تطبيق النظام الأساسي (كعقد اجتماعي وطني وديمقراطي) وحمايته ، بل تمت إزاحته جانباً لحساب رموز الفساد السياسي والمالي والإداري، الذين راكموا عوامل الفلتان الأمني، ومن ثم اشتعال الصراع الدموي الداخلي الذي أدى إلى الانقسام السياسي والمجتمعي، ليس على صعيد انقسام المكان إلى حكومتين غير شرعيتين في الضفة وغزة ، بل أيضاً على صعيد المفاهيم والثوابت الوطنية والديمقراطية، بحيث بات شعبنا في الوطن والمنافي قلقاً ومحبطاً ويائساً في معظمه بسبب النتائج المروعة التي أوصلته إلى أوضاع كارثية غير مسبوقة، دون أن يعني ذلك تجاوز تأثير الظروف الموضوعية (على جماهير الفقراء خصوصاً) التي أسهمت بدورها في الوصول إلى هذه الأحوال الكارثية . فالإنسان الفقير ، البسيط ، العفوي ، المتخلف منذ أن ينشأ تبعاً لبنية اجتماعية معينة، يصبح قوة فاعلة ومؤثرة فيها، فهو يعزز هذه البنية ويدعم استقرارها بمقاومة تغييرها، نظرا لارتباطها ببنيته النفسية المرتبطة بالبنية الاجتماعية، المحكومة بدورها للأعراف والعادات والتقاليد الموروثة إلى جانب العنف المباشر من العدو الصهيوني ، والداخلي غير المباشر على الصعيد الاجتماعي . العلاقة إذن جدلية بين السبب والمسبب (البنية والنمط الإنساني الذي ينتج عنها) مما يحتم علينا الاهتمام بهما. أما بالنسبةِ للعنف، فإن شعبنا يتعرض لنوعين منه، الأول هو العنف المباشر من العدو الصهيوني، وهو عنف يعزز ويعمق العداء والحقد ضد التحالف الإمبريالي الصهيوني، بمثل ما يعمق الهوية الوطنية ويولد أشكالاً متنوعة من المقاومة ، أما الثاني فهو العنف المتمثل في الاستبداد الداخلي الناجم عن ممارسات أجهزة السلطة (في رام الله وغزة)، فهو عنف متعدد المظاهر والممارسات العميقة المباشرة وغير المباشرة ، إلى جانب مظاهر الفساد والمحسوبيات والفقر، والفجوة في الدخل وغياب تكافؤ الفرص، وما ينتج عن ذلك من مظاهر وممارسات عنيفة في العائلة أو في المجتمع، عبر تنوع أشكال الجريمة والانحراف: السرقات والتزوير والمخدرات وحبوب الهلوسة، في ظل غياب القانون والنظام ، حيث تتكرس سيطرة القوي على الضعيف، وتتوالد وتتراكم أشكال من الاغتراب بالمفهوم النفسي الذي نلاحظه لدى الكثيرين من أبناء شعبنا –في الوطن والشتات- الذين يعيشون حالة من ضعف الشعور بالانتماء لمجتمعهم، والرغبة في الهجرة للخارج ، أو العزلة (أو الانكفاء على الذات) عن المجتمع، وما يجري فيه من ممارسات لا يستطيع (من يشعر بالاغتراب أو الدونية) وقفها أو معالجتها أو حتى التأثير فيها خاصة في ظل استمرار العدوان الصهيوني والحصار والانقسام والصراعات الجارية ، بين فتح وحماس، والبطالة والفقر، إلى جانب فقدان وغياب الديمقراطية، والشعور بالمواطنة . ففي ظل هذه الأوضاع، يشعر المواطن بان كل ما يفعله لا قيمة له عند الآخرين، خصوصا عندما تتكرس ظاهرة الانقسام، وانسداد أفق ما يسمى بـ"الحل المرحلي" أو السياسي، وانتشار مظاهر الانحطاط الاجتماعي والاقتصادي وغياب العدالة أو سيادة القانون، وغياب الكثير من القيم الايجابية والأخلاقية في المجتمع، لحساب قيم الانتهازية والمصالح الأنانية الفردية واللامبالاة، يذهب البعض إلى التمسك بالمفاهيم الأصولية السلفية والتراثية أو الغيبيات، كمخرج من أزمته أو يأسه أو إحباطه وعجزه. ان تزايد انتشار وترسيخ هذه المظاهر ، جعلت من ظاهرة العنف الفردي أو المنظم الناجمة عن تزايد أوضاع البطالة والفقر ، ظاهرة غير منبوذة في مجتمعنا، بل تحول خلال السنوات الأخيرة إلى ثقافة مكتسبة، ارتباطاً بتفكيك النظام السياسي وغياب سلطة القضاء، حيث حلت مشاعر التفكك والإحباط والقلق واليأس محل التوحد والتحرر وبناء النظام السياسي الديمقراطي ، ذلك أن الإرادة الإكراهية للسلطة على المجتمع في غزة (حماس) أو الضفة (فتح)، رغم أنها قد تسهم في بعض الأحيان أو الظروف في تخفيف العنف، إلا أنها لن تحقق ثقافة الديمقراطية والمواطنة، لأن القيمة الحقيقية لثقافة الديمقراطية، تكمن في المكانة والمقومات التي توفرها لكرامة الإنسان كفرد مواطن، انطلاقاً من أن تأمين احتياجاته الاقتصادية والاجتماعية له ولأسرته عبر توفير العمل ومصدر الدخل الثابت له، هي المقدمة لكل حرية، فهي التي تكفل حقوقه السياسية ، بمثل ما تكفل تحفيز دوره في المسار الوطني والديمقراطي ، إذ أن من البديهي القول أن الفقر يعد من أهم كوابح المواطنة أو العمل العام او النضال أو أي ممارسة وطنية ومجتمعية على الصعيد العام ، لأن من لا يجد قوت يومه ، يصعب عليه أن يطالب بحرية التعبير وبقية حقوقه السياسية ، ناهيكم عن المشاركة في الأحزاب والفصائل السياسية ، ذلك أن الفقير ينشغل بتوفير الخبز له ولأهله، قبل أن يمارس حق الانتخاب أو الاقتراع أو يشارك في تظاهرة أو ينضم إلى حزب سياسي أو ينشط داخل جمعية....إلخ، وكما يقول ماركس بحق " يغيب العقل حين يغيب الدقيق " ، وبالتالي فإن الفقر قد يدفع الأفراد ليس إلى التنازل عن حقوقهم كمواطنين فحسب ، بل أيضاً يدفعهم صوب مزيد من الإحباط واليأس والميل للاستسلام. لذلك فإن إحدى أهم مساهمات اليسار الجذرية المطلوبة في هذا الجانب ، تكمن في قدرتها على صياغة البرامج التنموية الهادفة إلى تأمين لقمة العيش الكريمة للعاطلين عن العمل، في إطار النضال الديمقراطي المطلبي الحازم دفاعاً عن قضايا جماهير الفقراء والكادحين والمضطهدين ، وذلك من خلال معايشة القوى اليسارية لهذه الجماهير والتأكيد على شعاراتها وأفكارها السياسية والطبقية المنحازة لهم ونشرها بين صفوفهم. من هنا أهمية الحاجة ، سواء في نضالنا التحرري ضد التحالف الامبريالي الصهيوني ، أو في نضالنا الديمقراطي الاجتماعي الداخلي، إلى مهماز يتقدم بنا نحو الحداثة ، النهضة ، المواطنة ، المجتمع المدني ، والقانون والنظام ، وبدون ذلك لن نستطيع أن ندخل الحداثة ونحن عراه ، متخلفين وتابعين ومهزومين يحكمنا الميت أكثر من الحي، الماضي أكثر من المستقبل. هنا دور المثقف في بلادنا لمجابهة هذا الواقع المهزوم وأدواته وأنظمته وطبقاته الحاكمة التي تسهم في احتجاز التطور الاقتصادي والاجتماعي ... وبالتالي تقتل فكرة المواطن وسيادة القانون . إن وعينا لهذا الدور، يشكل البداية صوب تنشيط عنصر المواطنة ووعيه داخل كل فرد منهم، على قاعدة الالتزام والوعي العميقين بمبادئ وأهداف وبرامج أحزابنا وأسسها الفكرية والسياسية والاجتماعية والتنظيمية ، التي يجب أن نحرص على تعميمها ونشرها في أوساط الجماهير في الوطن والشتات، وتعبئتهم ليس فحسب ضد العدو الصهيوني وتناقضنا التناحري معه، بل أيضاً في مجابهة تناقضنا الرئيسي السياسي، الديمقراطي ، مع السلطة المستبدة – في غزة أو رام الله – التي تخنق الاستقلال الروحي والفكري للمواطن الفلسطيني، بل وتتغذى من هذه العملية عبر تفريغ المواطن من الوعي والإرادة والضمير والحس النقدي والاستقلال، كي ما تحوله إلى أداة تنفيذ فحسب، يتلاعب بها عقل واحد ، أو "رب" عمل واحد، هو جهاز السلطة أو نظام الحكم بمختلف تلاوينه ومنطلقاته . فبقدر ما يستدعي النضال السياسي والديمقراطي الداخلي أناسا على درجة عالية من الاستقلال السياسي و الفكري وحرية الرأي والمعتقد والإرادة والمسؤولية ، يقوم انحطاط السلطة على تعميم الاستلاب والتبعية الشخصية والإلحاق ، فرجل السياسة الاستبدادية لا يقبل بأقل من الخضوع لإرادته الجائرة، ورجل الوصاية الدينية لا يطلب أقل من التسليم الكامل بتفسيره وتأويله وروايته. فالطغيان الأول يقوم على احتكار السلطة السياسية والدولة، بينما يقوم الطغيان الثاني على احتكار الرأي والفكر. ولذلك فان هذا الواقع يحتاج إلى وقفة تأمل ومحاسبة للنفس، من قبل كافة الفعاليات الديمقراطية العلمانية، أحزاباً ومثقفين ومفكرين وسياسيين وفنانين وأدباء وغيرهم . فعلى هؤلاء تقع مسؤولية استعادة المبادرة لتحرير الفرد وانتزاعه التدرجي من الولاءات العصبية والالتزامات ، اللاأخلاقية واللاإنسانية ، التي دفعته إليها الديكتاتورية السياسية والديكتاتورية الفكرية معا. ولكي نضمن تقريب المسافة بيننا وبين هذا الهدف، فإن المطلوب توفير العوامل الذاتية والموضوعية التي تستهدف توعية الجماهير وتحشيدها، لممارسة الضغط السياسي على السلطة أو النظام أو الدولة ، لكي تنتزع حقوقها والتعامل مع أعضائها بصفتهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ، في ظل مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة، التي أدى غيابها إلى تعطيل مسار النضال التحرري والتطور الديمقراطي الداخلي لبلادنا وأدخلها في مستنقع الخضوع والتبعية والتخلف والاستبداد sahmod.2012@hotmail.com المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في منتدانا لا تعبر عن راي المنتدى بل عن راي الكاتب فقط
نظرة على مفهومي المواطنة والديمقراطية في المجتمع الفلسطيني والمجتمعات العربية(2)