موضوع: الاتفاقية الامنية : مخاطر منظورة وكوارث مطمورة( 1 - 8 ) الإثنين مارس 12, 2012 4:59 am
الاتفاقية الامنية : مخاطر منظورة وكوارث مطمورة ( 1 - 8 ) منتدى/ملاك صدام حسين صلاح المختار يروي الجاحظ انه شاهد بغلا يركض خلف فقيه التف بطيلسان اخضر ظنا منه انه حزمة عشب الجاحظ في ( رسالة البغال ) رشقة ماء منبه من يظن ان المخاطر المترتبة على الاتفاقية الامنية تقتصر على النهب وسلب سيادة العراق يرى الجزء الطافي من جبل الجليد ، وهو لايشكل اكثر من واحد بالعشرة من حجم الجبل ، اما تسعة اعشاره فلا يراها مع انها الاجزاء التي تحمل في احشاءها الخطر ألاشد والمميت وهو زوال العراق الى الابد هوية ووجودا وتأريخا ، كما خططت امريكا والصهيونية والتقت معهما ايران . ان المخاطر المنظورة للاتفاقية ، ( سلب الثروة الوطنية والغاء السيادة العراقية ) هي الاقل ضررا من الكوارث المدمرة والرهيبة على العراق وشعبه ، المخبوءة في ( جينات ) الكوارث المطمورة والموضوعة تحت جبال من الخداع والتضليل المدروس ، التي سنواجهها بعد عشر سنوات او اكثر ، لاسامح الله اذا نجح الاحتلال في فرض الاتفاقية . من هنا يجب علينا اضافة لتسليط الضوء على النتائج المرئية ان نركز اكثر على النتائج غير المرئية والبعيدة المدى ، وهي الكوارث الاخلاقية والاجتماعية والثقافية المتعلقة بالهوية الوطنية والقومية للقطر ، التي سيواجهها العراق بعد تفاعل العوامل المكونة للوضع الناشئ عن تطبيق الاتفاقية الامنية وتوأمها الاتفاقية الاقتصادية ، وتأثير ذلك المتسلسل على الهوية الشاملة للامة العربية . لعل من بين ابرز ما يحيط بالاتفاقية الامنية التي تريد امريكا فرضها على العراق هو اتباع تكتيك الارباك المنظم للعراقيين والكتل الامريكية الشعبية بنفس الوقت ، عبر خلط الاوراق ، وتغيير النصوص وجعلها مطاطة قابلة لاكثر من تفسير ، وانقاص او زيادة المطاليب والافكار بصورة منتظمة ودورية ، ويحاط هذا التكتيك بعماده الاول وسلاحه الاهم : ممارسة الكذب ! والكذب المنظم يهتم اولا باخفاء الاهداف غير المنظورة والبعيدة المدى للاتفاقية بالتركيز على الاهداف المنظورة لاجل الانتهاء بعقد مساومة كبيرة حول المنظور ، بينما غير المنظور وهو الاخطر والاهم لا يناقش ولا تسلط عليه الاضواء ! وارجو من القارئ الكريم ان يتحمل طول الدراسة ويقرأها حتى نهايتها ليكوّن صورة كاملة وحقيقية عن الاتفاقية والاهداف البعيدة الاثر لها ، والتي يتعمد العدو المشترك ( امريكا واسرائيل وايران ) التستر عليها وتمويهها بالفاظ وتعابير مخادعة . مضامين الاتفاقية الخطرة ما الذي تتضمنه الاتفاقية الامنية ؟ أولا : تتضمن الاتفاقية الامنية ، المنشورة ، فقرات مهمة وخطيرة تفصح عن اهدافها الحقيقية ، ففي القسم اولا ( المجال السياسي والدبلوماسي والثقافي ) وردت الفقرة 2 التالية ) احترام الدستور وصيانته باعتباره تعبيرا عن ارادة الشعب العراقي ،والوقوف بحزم امام اية محاولة لتعطيله او تعليقه اوتجاوزه ) !!! هنا نواجه حقيقة خطيرة وهي فرض دستور بالقوة وحمايته بالقوة وتغطية ذلك باتفاقية امنية . والسؤال المهم هو التالي : اي دستور تحميه الاتفاقية ؟ ما هي طبيعته ؟ ولماذا هو ( مقدس ) ويجب عدم مسه او تغييره ؟ قد يظن البعض انه دستور شرعي وانه فدرالي حقا كما يوصف ، وقد يظن البعض انه قابل للتغيير في ظل الاحتلال ، لكن الحقيقة غير ذلك . ان الدستور هو دستور امريكي الاصل وامريكي الهدف ، وتدعمه اسرائيل بقوة ، وتلتقي ايران معهما حول اهدافة البعيدة المدى ، ووضع ليكون القاعدة الدستورية ، ظاهريا ، لابقاء العراق لعقود من الزمن تحت تاثير بيئة سيولدها الدستور تؤدي تفاعلاتها الى احداث انقلاب جذري وشامل في البنية الاجتماعية ، وفي هوية العراق الوطنية والقومية بالذات ، لذلك فان ( قدسية ) الدستور تعبير عن خطة تغيير البنية العراقية . لندقق المسألة بتأن : 1 – للتذكير فقط انه دستور وضعه نوح فيلدمان ، الامريكي الصهيوني ، في اطار تنفيذ خطة معلنة منذ عام 1988 من قبل الادارة الامريكية ، وتحديدا بعد الانتصار العراقي على ايران وخروج العراق من الحرب بصفته القوة الاقليمية العظمى التي اقامت توازنا ستراتيجيا حقيقيا مع الكيان الصهيوني ووضعته في زاوية حادة ومدببة تنغزه في خاصرته كلما تحرك لاجل التوسع وتعيده الى المربع الاول : وجود ردع عربي حاسم . لقد اسقط خروج العراق منتصرا على ايران ، وهو يتمتع بقوة هائلة عسكريا ، والاهم بخبرة عسكرية استثنائية ، المطلب الستراتيجي الامريكي – الصهيوني الاول في الوطن العربي وهو ان قدرة الكيان الصهيوني العسكرية يجب ان تكون اقوى واكبر من قدرة كل الاقطار العربية مجتمعة ، لضمان منع العرب من تحقيق انتصار في ساحات الحرب ، من منطلق الحقيقة المعروفة والتي ترعب الكيان الصهيوني وهي ان هزيمة واحدة للكيان الصهيوني تكفي لانهيار كل المشروع الصهيوني في فلسطين والوطن العربي ، في حين ان العرب يتحملون الكثير من الهزائم دون سقوط وتلاشي وجودهم القومي . منذ عام 1988 تكثفت الدعوة الامريكية والغربية مدعومة بكل ثقل الحركة الصهيونية العالمية للسيطرة على المارد العراقي الذي خرج من ( قمقم ) الخطوط الحمر الغربية – الصهيونية وتجاوزها بقوة وتحد ، رغم انف كل هذه القوى ، واصبح قادرا بمفرده على دحر الكيان الصهيوني في اي حرب كلاسيكية وليس في حرب العصابات فقط . كيف خطط الغرب الصهيوني للسيطرة على المارد العراقي ؟ الجواب الواضح والصريح والمعلن كان : يجب تقزيم العراق عسكريا واقتصاديا وسياسيا ، وتفكيكه اجتماعيا وتحطيمه سايكولوجيا . ولتنفيذ ذلك اصطنعت كذبة ان العراق بقوته الهائلة سوف يغزو الخليج العربي كله والسعودية ، لان فائض القوة لديه يشكل بحد ذاته الية تتحرك بزخمها الذاتي وتفرض خطواتها على القيادة في العراق ! ان هذا الاستنتاج الامريكي – الصهيوني لم يكن نتاج دراسات لحالة العراق القوي بل انه اساسا اسقاط للتكوين السايكولوجي الاساسي لامريكا والصهيونية على العراق ، فامريكا والكيان الصهيوني يمثلان حالة طارئة في التاريخ الانساني ، وجدتا بفضل عامل القوة المتفوقة فقط وعلى حساب الهنود الحمر في امريكا والعرب في فلسطين ، لذلك فان منطق مواصلة تحييد العدو وعدم تركه يستجمع قواه ، عبر ضربات استباقية مدروسة هو الحل . وفي اطار هذه السايكولوجيا فان القوة ما ان تصبح كافية لسحق العدو فيجب ان تستخدم بلا ابطاء . لقد اسقطت امريكا هذا المنطق على حالة العراق القوي رغم الفرق الهائل والجذري بين العراق وامريكا والكيان الصهيوني ، من زاوية التكوين التاريخي والبنية الاجتماعية والهوية المميزة ، حيث ان العراق قطر قديم تكون ببطء عبر الاف السنين لذلك فان سايكولوجيا الانسان العراقي تقوم على القتال من منطلق الثقة التامة بديمومته واستحالة ازالته من الوجود ، وان هزيمة واحدة او اكثر لن تؤدي الى دماره . ويترتب على هذه الحقيقة السايكولوجية والاجتماعية امر مهم جدا وهو ان العراق طويل النفس في تعامله مع التحديات المصيرية وقادر على تحمل الضربات ، مهما كانت مدمرة ، واستعادة العافية بعد فترة لمعاودة المطالبة بحقوقه . لقد كان ذلك الاسقاط متعمدا وصمم لتشويه صور العراق المنتصر وشيطنة قيادته بنظر الراي العام خصوصا العربي . وهكذا شرعت امريكا بتهيئة المسرح لازمة مفتعلة بين العراق والكويت وتفجيرها لتكون مدخلا لتقزيم العراق ، ووصلت الازمة ذروتها برفض امريكا حلها عربيا وبطرق سلمية ، واتخذت قمة القاهرة في عام 1990 قرارا خطيرا واستفزازيا بطلب القوات الامريكية لحسم الازمة عسكريا . ورغم كون العدوان الذي شن على العراق في عام 1991 كان حربا عالمية بكل المقاييس ، نظرا لاشتراك اكثر من اربعين دولة فيها بقدراتها العامة وبجيوش 28 دولة منها ، ورغم استخدام اسلحة جديدة متطورة جدا فان النتيجة كانت صمود العراق بشكل اذهل امريكا والصهيونية فاجبر جورج بوش الاب على وقف اطلاق النار من جانب واحد بعد اكثر من 41 يوما من الحرب . ولاجل تنفيذ مخطط تقزيم العراق شدد الحصار عليه واعتمد كألية رئيسية لتحقيق هدف التقزيم ، وبالفعل فان 13 عاما من الحصار الشامل المصحوب ب(حرب منخفضة الحدة ) ، نتج عنه اضعاف خطير للعراق ، عسكريا واقتصاديا ونفسيا واجتماعيا ، بعد ان عاد الفقر وعدم الاستقرار الى العراق بتأثير الحصار . من هنا فان الغزو في عام 2003 جاء يكمل ما انتجه الحصار من سلبيات ويضيف عوامل اخرى تساعد على تقزيم العراق ، كمقدمة لتقسيمه ، ففرض نظام المحاصصة الطائفية العرقية وفرض دستور يجسد هذه المحاصصة ، واطلقت عليها تسمية ( الفدرالية ) . بهذا المعنى فان الفدرالية في دستور نوح فيلدمان ما هي الا القاعدة الدستورية والسياسية لتقزيم العراق عبر النقل المدروس للصلاحيات من السلطة المركزية الى الفدراليات والاقاليم بحيث يصبح المركز – العاصمة - بلا سلطات فعلية . ان نقل السلطان للاقاليم الفدرالية خطوة حاسمة نحو تدمير العراق القوي داخليا واقليميا . 2 – ان هذا الدستور لا يكتفي بتحويل السلطات السياسية والتشريعية الاساسية من المركز الى الاقاليم الفدرالية بل هو ينقل ايضا سلطة التصرف بالثروات الوطنية من المركز الى الاقاليم ، وبذلك يجرد الدولة العراقية من واحد من اهم عوامل ترابطها وهو السيطرة المركزية على الثروة وتسخيرها لبناء عراق قوي وفعال داخليا وخارجيا ! وبنقل قوة التاثير الاقصادي للاقاليم فان قوة العراق تتفت وتتوزع على اقاليم لكل منها تصورات واهداف لا تلتقي مع اهداف وتصورات الاقاليم الاخرى . وعملية تحويل ملكية الثروات الوطنية من المركز الى الاقاليم ليست مجرد محاولة لتفتيت قوة الدولة العراقية بل الاهم انها عملية تقوم على خلق حوافز مادية ضخمة لدى حكام الاقاليم للانفصال لاحقا من خلال التمسك بمصالح الاقليم وليس مصالح الدولة ، وتلك خطوة خطيرة نحو تقسيم العراق . 3 – ان الدستور يقوم على مبدأ تعدد ما اسماه ( الكيانات السياسية ) وتشجيع قيامها على اسس المصلحة الفئوية او الفردية ، مما سيجعل الديمقراطية في العراق من اهم مصادر تفككه وضعفه . ان وجود عشرات الاحزاب الصغيرة المختلفة الامزجة والاتجاهات في بيئة شراء الضمير بالمال ، سوف يستنزف العراق بمعارك دون كيشوتية داخلية ، اي وهمية ، وتقوم على اللغو الفارغ والعراك من اجل زيادة المنافع ، مما يجعله منغمسا باستمرار في هموم التنافس الدخلي الاناني .ان تسمية هذه الاحزاب ب( الكيانات ) ينطوي على دلالات خطيرة اهمها تأسيس كيانات او غيتوات منفصلة ومتناحرة بسبب السعي للحصول على منافع ل( لكيان ) وليس للقطر كله ، وبمرور الزمن سيتحول الكيان من كيان حزبي الى كيان مصلحي مترسخ برموزه ومصالحه ، وهكذا نرى عراقا مفككا من الداخل بطريقة يستحيل معها ان يكون فاعلا اقليميا . 4 – ان الدستور الفدرالي ، هو في الواقع دستور كونفدرالي وليس فدرالي ، وهذه التسمية لم تكن نتاج جهل بل تجاهل متعمد ، هدفه خداع الراي العام وتمرير الكونفدرالية تحت تسمية الفدرالية . ان النظام الفدرالي يقوم على توزيع محدد للسلطات بين الاقاليم من اجل تقليص البيروقراطية والجمود واشراك كل مكونات الدولة في تسييرها دون ان يؤدي ذلك الى جعل الاقاليم اقوى من المركز ، بل يبقى المركز هو المقرر النهائي في القضايا العامة حتى حينما يتعلق الامربالقضايا الجرمية ، مثلا مكتب التحقيقيات الفدرالية الامريكي ( F.B.I ) يتدخل في شؤون الولايات ويتولى مسؤولية التحقيق حينما تكون هناك جريمة معقدة وخطيرة . ومادمنا تناولنا المثال الامريكي في الفدرالية فاننا ملزمون بالاشارة الى اهم خصائص ذلك النظم الامريكي . ان امريكا دولة فدرالية كما هو معروف ولاسباب كثيرة ، وفيها حكومات ولايات ومجالس محلية وحكام ولايات وقوانين ولايات ، لكن القرار النهائي هو للمركز ، وتحسم المحكمة الدستورية العليا اي خلاف بين الولاية والمركز . ومن اهم مظاهر قوة المركز - العاصمة في امريكا الفدرالية صلاحيات الرئيس الكبيرة على كل امريكا بحكامها ومجالس الولايات ، ووجود جيش واحد فقط وتخطيط اقتصادي مركزي ( قد يظن بعض الناس خطئا انه لا يوجد تخطيط اقتصادي ) ، وتمثيل دبلوماسي واحد ، وسيطرة الدولة على الاراضي العامة في كل الولايات بما فيها من موارد . في ضوء ما تقدم فان الفدرالية الامريكية ، كاي فدرالية اخرى مهما اختلفت ، هي نظام دولة واحدة القوة الرئيسية فيها للمركز ( الرئيس والكونغرس ) وليس للاقاليم ، والاقاليم تابعة للمركز في القضايا العامة مع تمتعها بصلاحيات واسعة يغلب عليها الطابع الاداري . اما الكونفدرالية فهي اتحاد دول متعددة ومستقلة ، بدستورها وصلاحياتها وجيوشها وتمثيلها الدبلوماسي وبسيطرة كل منها على الثروة الواقعة في اقليمها ، وما يربط بين الدول المستقلة المكونة للكونفدرالية هو رابطة التنسيق فقط في القضايا المشتركة . واذا نظرنا الان الى العالم لن نجد كونفدرالية وكانت اخرها ( اتحاد الدول المستقلة ) الذي تكون بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لكنه كان مؤقتا وبلا فاعلية . ان السؤال الخطير الذي يفرض نفسه هو : لماذا اذن وصف الدستور الذي وضعته امريكا في العراق المحتل بانه فدرالي وليس كونفدراليا مع ان كل قواعده تنتمي للكونفدرالية ؟ ان نظرة سريعة لنصوص وتطبيق الدستور تثبت انه كونفدرالي وليس فدرالي ، فالاقاليم منحت صلاحيات اقتصادية مستقلة في التصرف بثرواتها وحرم المركز من ذلك فعليا ، وهناك جيوش ( الميليشيات ) مثل البيش مركة الكردية التي لاتخضع للمركز ، وهناك تمثيل دبلوماسي للاكراد في السفارات العراقية ، وهناك حصص للاحزاب في السفارات ، وهناك شرطة محلية لا تسمح للشرطة ( الفدرالية ) بالتدخل ! والسبب في هذا التكوين واضح وهو ان اطلاق تسمية الفدرالية هو مقدمة لابد منها في قطر بسيط التركيب وكان واحدا ومركزي السلطة في كل تاريخه ، ومكوناته السكانية تتميز بوجود قومية رئيسية هي القومية العربية ( 85 % من السكان ) واقليات قومية اخرى مثل الاكراد والتركمان . لذلك وبما ان الدولة الفدرالية تقوم نتيجة اتحاد بين دول كانت مستقلة او مقاطعات مستقلة قبل ذلك ، فان فدرلة العراق هي عملية قلب لسنة التطور الطبيعي ، وهي مقدمة تخلق امرا واقعا في العراق تقود حتما الى تقسيمه ، فالتقزيم الحالي هو مقدمة حتمية للتقسيم القادم كما خططت امريكا . يتبع ... منتدى/ملاك صدام حسين sahmod.2012@hotmail.com