اوهام قبل الامس في عصر ما بعد الغد : نحن وامريكا وبيننا هولي وود ( ٣٠ )
كاتب الموضوع
رسالة
صلاح المختار
عدد المساهمات : 60 تاريخ التسجيل : 25/12/2011
موضوع: اوهام قبل الامس في عصر ما بعد الغد : نحن وامريكا وبيننا هولي وود ( ٣٠ ) الجمعة يناير 13, 2012 8:13 pm
اوهام قبل الامس في عصر ما بعد الغد : نحن وامريكا وبيننا هولي وود ( ٣٠ ) ( الحلقة الثلاثون ) صلاح المختار تذكر دوما ان الاسماك الميته وحدها تسبح مع التيار مالكولم مكريدج مثل عالمي لعنة الاستخدام المزدوج للدين 7- استخدام الدين كسلاح في الحرب الباردة : في مطلع الستينيات وبداية السبعينيات حصل تطوير خطير للفكرة الاستعمارية الاساسية ( فرق تسد ) ، فبعد اشعال حروب بين الانظمة العربية التقدمية والتقليدية في الخمسينيات وما بعدها ، وبعد ان استغلت الصراعات العدائية بين القوى الوطنية والقومية واليسارية وعمقت في تلك الفترة ايضا ، جاء دور الفتن الطائفية لتكون رصاصة دمدم ( رصاصة لا تكتفي باختراق الجسد بل تتفجر داخله ايضا لتمزقه شر ممزق ) وتدفع بالامة الى مرحلة الكارثة . وكان من اهم وابرز مطوري هذه ستراتيجية استخدام الدين لتفتيت الاقطار العربية هو زبجنيو بريجنسكي ، الاستاذ الجامعي الامريكي اللامع الذي كتب دراسات طبعت في كتاب عنوانه ( بين عصرين العصر التكنوتروني ) صدر في النصف الثاني من السبعينيات ، وفي الكتاب يحلل دور وتأثير كل من الفكر البورجوازي والفكر الماركسي اللينيني في الصراع المحتدم انذاك بين الرأسمالية والشيوعية ، ويصل الى استنتاج خطير وهو ان الفكر البورجوازي لا يملك الجاذبية التي تجعله يحصل على دعم جماهيري في حين ان الفكر الماركسي بكافة الوانه لديه جاذبيه وشعبية تتعاظم وتزداد ، واذا لم يحصل تغيير فان مصير امريكا والرأسمالية هو الهزيمة والاندحار . ويخلص بريجنسكي الى نتيجة هي التالية : يجب ان نجد البديل الفكري – الايديولوجي الذي يملك جاذبية قوية توازي جاذبية الماركسية او تتفوق عليها ، وزجه في صراع مع الشيوعية بدلا من الفكر البورجوازي المهزوم والمأزوم ، والبديل الذي يستطيع الحاق الهزيمة بالشيوعية هو ( الاصولية الدينية ) في كل الاديان ، اي التطرف المبني على العودة لعصور هيمنة رجال الدين واشعال حروب الاديان والطوائف ، وبقوة التيارات الدينية ، التي لا ترى العالم الا من زاوية محددة تتفوق على اي زاوية اخرى وهي زاوية الصراع بين الالحاد والايمان الدينيين اللذان يشكلان محور كل شيء ومعيار كل المواقف ، يمكن الحاق الهزيمة بالفكر الشيوعي لانه الحادي رسميا وعمليا . وبما ان الالحاد والكفر هو المركز الرئيس لاهتمام هذه التيارات و( جهادها ) قبل اي شيء اخر بما في ذلك قبل الموقف من الاستعمار والامبريالية اللذان يحتلان اراضينا ويسرقان ثرواتنا ويضطهدان شعبنا ويبيدان الالاف منا كل عام ...الخ ، فان على امريكا دعم الاصوليات الدينية لتكون القوة التي تدحر الشيوعية ، او على الاقل تستنزفها وتشغلها وتحولها من الهجوم الى الدفاع ، بينما الرأسمالية تجلس مرتاحة ولا تقدم التضحيات الكبرى وتتجنب الهزيمة النهائية وتعيد بنا قوتها مضيفة اليها ما تحصل عليه من مكاسب كبرى بفضل التغيير الستراتيجي الذي يمكن ان تحدثه صراعات الاديان والطوائف بعد هزيمة الشيوعية ، هذا ما توصل اليه بريجنسكي وطبقه لاحقا كما سنرى . ولئن شهد القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بروز من اطلقت عليهم تسمية ( المستشرقين ) ، وهم نخبة تخصصت وتعمقت في فهم الاسلام والعرب لم يتعدى عدددها اصابع اليد ، فان النصف الثاني من القرن العشرين شهد اعداد مئات المتخصصين في الشؤون الاسلامية من الاكاديميين في امريكا واوربا تعمقوا في دراسة الاسلام وتياراته ومذاهبه والفت مئات الكتب التي تغطي كل تفاصيل الاسلام وتاريخه خصوصا الفرق والنحل فيه عبر التاريخ وحاليا والاختلافات بينها ومراكز الحساسية والالم فيها ، فتكونت معرفة تفصيلية بالاسلام . وبطبيعة الحال سنكون سذجا جدا اذا لم نفترض ان الكثير ممن ادعوا تفهم الاسلام او الايمان به من الغربيين او انتقلوا الى الاسلام لم يكونوا جواسيس رسم لهم دور محدد وهو اختراق الاسلام وتشويهه من الداخل ، وكان اهم ما تعلمه الغرب والصهيونية هو ان الاسلام فيه فرق ومذاهب وان بالامكان تقديم اكثر من تفسير لاي نص ديني وكثرة التفسيرات تقوم على الاختلاف والتناقض ، ومن ثم استخدام تلك الاختلافات والتناقضات لنشر الانقسامات والازمات والصراعات بين المسلمين بل داخل الفرقة الاسلامية الواحدة والمذهب الواحد . تطبيق نظرية بريجنسكي حينما وصل جيمي كارتر للادارة في النصف الثاني من السبعينيات من القرن الماضي وعين بريجنسكي مستشارا للامن القومي بدأت عملية تنفيذ الخطة الجديدة التي وضعها بريجنسكي ، فدعمت امريكا كل الاصوليات الدينية ، الاسلامية والمسيحية والهندوسية واليهودية وغيرها ، ونسقت امريكا مع الكنيسة من اجل بدء عمليات دحر الشيوعية وكانت بولندا الشيوعية اول مركز اختبار في العالم المسيحي ، وسخر في الثمانينات اصل البابا البولندي ليكون وسيلة اسقاط النظام الشيوعي فيها ، وعندما نجحت العملية بدأت رحلة تفكك المنظومة الشيوعية في اوربا الشرقية . اما في العالم الاسلامي ، الذي توجد فيه اهم مصادر الطاقة وهي روح ودم العصر الحديث ، فقد رأينا بوضوح بان امريكا ، وبدعم اوربي ، قد ساعدت على تحقيق ثلاثة اهداف خطيرة جدا كانت الاساس الرئيس في تحقيق الانقلاب الستراتيجي العالمي فيما بعد لصالح الغرب الاستعماري نهاية السبعينيات أ – الاسلامويون في السلطة : الهدف الاول كان ايصال تيار اسلاموي ، يتظاهر بالطائفية ويستخدمها كغطاء لاخفاء هدفه القومي من اجل التغلغل في الوطن العربي واختراق وحدة العرب ، الى السلطة في ايران عبر اسقاط الشاه وتنصيب خميني امبراطورا مطلق الصلاحيات بعد صنع ( اسطورته ) بواسطة الاعلام الغربي – الصهيوني ، وهكذا نشأ قطب اسلاموي طائفي شيعي قوي في ايران نجح في تحقيق استقطاب طائفي خطير في العالم الاسلامي ، خصوصا في الوطن العربي ، اضعف التيارات القومية والوطنية ، وهنا بيت القصيد ، لان التيار القومي العربي كان ومازال الوحيد الذي يضمن توحيد العرب على اساس الانتماء لهوية واحدة هي الهوية القومية تتجاوز الطائفية والعرقية والاختلافات الدينية وتضعها تحت السيطرة التامة من خلال قيام الرابطة القومية على مبدأ صريح وثابت وهو المواطنة المتساوية قانونيا وفعليا لكل العرب مهما كانت دياناتهم او طوائفهم او اصولهم الاثنية . ب – تفكيك الاتحاد السوفيتي : الهدف الثاني لامريكا كان جر الاتحاد السوفيتي لغزو افغانستان لاجل تفكيكه ، كما اعترف بريجنسكي مؤخرا ، بعد تنظيم المخابرات الامريكية ل( الجهاد ضد الكفار الشيوعيين ) في افغانستان ، فبما ان الكفر والايمان هو المعيار الاعظم ، وغالبا الاوحد ، الذي تستخدمه التيارات الاسلاموية في تقرير مواقفها محليا وعالميا ، وهو معيار يفضي الى خدمة امريكا والصهيونية ويضر بالعرب ومصالحهم جوهريا كما سنرى ، فقد وقفت هذه التيارات مع امريكا وبريطانيا ضد الاتحاد السوفيتي ، لماذا ؟ الجواب الكارثة هو التالي : لان امريكا ( مؤمنة ) والاتحاد السوفيتي ملحد ولهذا شكل الدعم العربي ، الرسمي بالمال ودعم التيار الاسلاموي بالرجال (الافغان العرب ) ، القوة الاساسية في جعل افغانستان ( فيتنام الاتحاد السوفيتي ) ، وذلك كان اهم هدف ستراتيجي امريكي اثناء الحرب الباردة !!!! ان دعم امريكا ضد الاتحاد السوفيتي باسم الاسلام يشكل تجاهلا فاضحا ومشبوها بكل المقاييس لحقيقتين واقعيتين وهما : الحقيقة الاولى ان امريكا ( المؤمنة ) وبريطانية ( المؤمنة ) ، طبعا من وجهة نظر هذا الطرف من الاسلامويين ، هما العدوان الاشد ضراوة للعرب والمسلمين في العصر الحديث لانهما السبب في كوارثنا ، ومنها احتلال فلسطين ، تذكروا ان وعد بلفور بريطاني وتذكروا ان تسليم فلسطين للصهاينة كان من قبل الاحتلال البريطاني لها ، والاحواز ، تذكروا ان بريطانيا سلمتها لايران ، واخيرا وليس اخرا تذكروا ان العراق غزته ودمرته امريكا بدعم بريطاني كامل ثم سلم لايران من قبل امريكا ، بالاضافة لنهب ثرواتنا وزرع مشاكلنا الحالية المعقدة مع ايران وتركيا من خلال وضع حدود مختلف عليها عمدا ، او من خلال تعمد الغرب الاستعماري حرماننا من فرص التنمية والتقدم التي اتيحت لنا . اما الحقيقة الثانية فهي ان الاتحاد السوفيني الملحد كان القوة الاساسية التي دعمت العرب وحدت من ، وحددت الاستكلاب الامريكي - الصهيوني وقدمت للعرب كافة اشكال الدعم العسكري والسياسي والاعلامي والمالي وغيره ، وبفضل هذا الدعم عجزت امريكا عن تحقيق الكثير من اهدافها ، ومنها هدف الانفراد بالعرب وغزوهم كما يحصل الان بعد غياب الاتحاد السوفيتي . لولا غياب الاتحاد السوفيتي ، والذي تم بمساعدة كبرى وخطيرة مباشرة ورسمية من قبل انظمة عربية وب( جهاد ) تنظيمات اسلاموية ، لما كنا نواجه كوارثنا الان لان مصلحة الاتحاد السوفيتي كانت تفرض ابقاء توازن ستراتيجي معروف يمنع انفراد امريكا بالسيطرة على العالم . وبعد توريط الاتحاد السوفيتي في غزو افغانستان سرع هؤلاء باستنزافه الى ان اوصلوه الى مرحلة العجز ليس فقط عن مواصلة الحرب بل ايضا العجز عن ابقاء تماسك الدولة السوفيتية . لذلك كانت الحرب الافغانية هي السبب المباشر في التعجيل بانهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه وبدء امريكا عملية الانفراد بالعالم دون رادع او رقيب ، وهذه الواقعة تجبرنا على تكرار الاشارة الى حقيقة اعترف بها التيار الاسلاموي مفتخرا وهي انه ساعد امريكا على تدمير الاتحاد السوفيتي مع انه كان يعرف على الارجح ان غياب الاتحاد السوفيتي سوف يسمح لامريكا والصهيونية بالانفراد بالعرب واكمال عملية تدميرهم وهم عراة من اي حماية او دعم . ج – أسلامويون يملأون الفراغ : صعد التيار الاسلاموي الطائفي ( السني ) في افغانستان ومنها انتشر الى الاقطار العربية والاسلامية بعد انتهاء الحرب الافغانية ضد السوفييت وبدأ هذا التيار بنشر افكاره بدعم تام من قبل الغرب والانظمة الخليجية الغنية التي شكلت مصدر ماله الضخم ، الذي وفر له امكانية بث دعايات مؤثرة واسعة النطاق عبر محطات تلفازية عديدة وصحف ومنابر ، وشكل دعم الانظمة للتيارات الاسلاموية ، حتى خارج دول الخليج مثل دعم السادات له في مصر ضد التيار القومي الناصري ، واحدا من بين اهم اسباب انتشاره وملءه للفراغ الذي حصل بضرب الناصرية في مصر وانحسار دور التيار القومي بشكل عام . وهكذا وفرت امريكا البيئة الطبيعية لتحقيق الانقلاب الستراتيجي الخطير داخل الوطن العربي وهو بروز تيارين طائفيين اسلامويين احدهما طائفي ( شيعي ) له نفوذ قوي مركزه ايران ، والاخر طائفي ( سني ) قوي ايضا مركزه دول الخليج العربي ، وبما ان اليد الواحدة لاتصفق فان وجود تيارين طائفيين قويين شرط مسبق لاشعال الفتن الطائفية في الوطن العربي ، وهذا ما وفرته امريكا بمساعدة ايران وانظمة عربية وتيار اسلاموي سني طائفي ، تطبيقا لنظرية بريجنسكي وغيره ، هل ترون الان كيف تخطط امريكا والصهيونية لتدميرنا ؟ وحينما تبدأ عجلة التيار الاسلاموي بالدوران لا تتوقف ابدا الا حينما ينحر او ينحر نفسه بعد نحر الاخرين ، فحرب التيار الاسلاموي الحكومي والاهلي لم تتوقف عند حدود دحر الاتحاد السوفيتي فلقد تحول هذا التيار الشيعي والسني الى قوة كبرى واخذت تملء الفراغ الذي نتج عن اضعاف التيار القومي بعد هزيمة حزيران عام 1967 ولعب دور العدو اللدود للتيار القومي الذي بقي قويا في اماكن اخرى وفي مقدمتها العراق . ان التيارات القومية والوطنية التي اضعفتها الصراعات البينية والحروب والازمات الخارجية لم تعد قادرة على الاحتفاظ بقوتها وقيادتها للحركة الجماهيرية كما كانت حتى منتصف الستينات . جاءت التيارات الاسلاموية الطائفية النزعة والهوية سنية وشيعية لتملأ الفراغ ، فحدث انقلاب ستراتيجي خطير مهد لدفع الاقطار العربية كلها نحو الهاوية والتفكك والهزائم المريرة . في ايران ، وبغض النظر عن االلغو الفارغ حول فلسطين ، اصبح في مرحلة خميني نشر ما سمي ب ( الثورة الاسلامية ) هو الهدف وليس تحرير فلسطين او مواجهة الاستعمار ، لان ما سمي بنشر ( الثورة ) كان يعني عمليا وفعليا فتح جبهات حرب شاملة مع النظم العربية التقليدية منها والتقدمية الوطنية ، كما انه يفضي حتما عمليا وفعليا ، وحتى رسميا في حالات كثيرة ، الى جعل الصراع بين الاسلام من جهة والصليبية واليهودية من جهة ثانية ، هو محور الصراع وجوهره وليس الصراع من اجل تحرير الارض والثروات وطرد الاستعمار ، خصوصا وان القاعدة التي استند اليها خميني كانت قاعدة طائفية في المقام الاول رغم انه في تلك الفترة ركز على الاسلام وتجنب التطرق المباشر للطائفية ، والتي كانت وظيفة خليفته علي خامنئي الذي انتقل من تضليل ما سمي ب( الثورة الاسلامية ) الى نشر التشيع الصفوي في الاقطار العربية . وهذه الحقيقة تنطبق على تنظيم القاعدة وتيار ( الافغان العرب ) الذي اعتبر عمليا في تلك الفترة ان الجهاد الديني ضد ( الكفار ) الصليبيين واليهود اهم من النضال الوطني والقومي ضد الاستعمار والصهيونية ، لذلك فان نشر الاسلام في الغرب الصليبي وغيره اهم من تحرير فلسطين وغيرها ، والاسلمة هذه تعني في التطبيق العملي اشعال حروب الاديان والطوائف لتحل محل حروب التحرير ، وهذا الاحلال هو الهدف المركزي للغرب الاستعماري والصهيونية التي اعتبرت ان غزو فلسطين تحقيق لنبوءة دينية ولذلك كانت تحتاج حتى الموت لبروز تيار عربي يتخذ من الاسلام اسما له ويعد اليهود عدوه التقليدي قبل احتلالهم لفلسطين كي يقول بفم ملأن : انظروا الى العرب انهم يكرهون اليهود منذ ظهر الاسلام وحربهم حرب دينية قديمة جدا وليس لها صلة بفلسطين . بذلك المنطق تسقط الصهيونية والغرب الاستعماري حقوقنا القانونية الواقعية في فلسطين ، والتي اصبحت القوة الاساسية التي اقنعت الملايين في العالم خصوصا في اوربا المسيحية وغيرها بدعمنا ورفض الصهيونية ، وتصبح الحروب الحالية حروبا دينية وطائفية وامتداد اوتوماتيكي للحروب القديمة . وكانت اخطر خطوة اقدم عليها خميني في تحقيق الانقلاب الستراتيجي ، اي انهاء الصراع التحرري مع الاستعمار والصهيونية عمليا حتى ولو بقي خميني يشتم الصهيونية والشيطان الاكبر ، هي خطوة اشعال الصراعات بين المسلمين انفسهم ، وكانت الحرب التي فرضها خميني على العراق ، من خلال اصراره على اسقاط النظام الوطني فيه ، هي الشرارة التي اشعلت حريق المنطقة كلها ونقلتها من مرحلة الصراع ضد الاستعمار والصهيونية الى مرحلة الصراعات الاسلامية - الاسلامية ، والتي سبقتها ورافقتها واعقبتها الصراعات العربية - العربية ، ثم توجت عملية اغراق العرب في صراعات عبثية باشعال الفتنة بين الشيعة - والسنة . وهذا التحول هو ما كانت تحتاجه الصهيونية والغرب لاكمال تطويق وعزل العرب ، حيث دعمت الفكرة الصهيونية القائلة بان العرب والمسلمين عدوانيين بطبيعتهم بدليل انهم يتقاتلون فيما بينهم لاسباب طائفية ! لقد جر التيار الاسلاموي السني والشيعي الامة الى صراعات دينية محضة ، مع المسيحيين واليهود والهندوس وغيرهم ، بدل مواصلة النضال على اسس تحررية ووطنية وقومية ، فقضية فلسطين هي في المقام الاول قضية حقوق نشأت عن احتلال الصهاينة لها دون وجه حق لذلك ، وبناء على هذا الطابع الحقوقي ، كانت القضية الفلسطينية تكسب الملايين في العالم حتى داخل العالم المسيحي في امريكا واوربا بل برز يهود ايضا يدعمون القضية الفلسطينية بدرجات معينة ، لكن شعار الجهاد ضد الكفار الصليبيين واليهود والهندوس دفع اصحاب الديانات الاخرى للتراجع عن الاعتراف بحقوق العرب والتمسك بالدفاع عن ديانتهم المتهمة بالكفر ، ووجدوا الحجة لدعم اسرائيل علنا ، كما حصل في الهند التي كانت من اقرب اصدقاء العرب والداعمين لقضية فلسطين لكنها وبعد ان رأت ان بعض العرب والمسلمين يدعون لتقسيم الهند ويدعمون انفصال كشمير وجدت في ذلك مبررا لدعم اسرائيل !!! تصوير قضية فلسطين على انها قضية اسلامية امر لا غبار عليه اذا كان ذلك يعني دعم المسلمين لحق العرب القانوني والواقعي في فلسطين ولكن اذا كان ذلك يعني جعل اسلامية فلسطين هو المحرك الاول والاخير من اجل تحريرها وليس الحقوق القانونية والقومية فانه في المحصلة النهائية والنتيجة الحتمية عبارة عن دعم للادعاء اليهودي بان الصراع بين العرب واليهود في اصله ديني ، فكان طبيعيا ان يعيد العالم النظر في الموقف من القضية الفلسطينية التي لم تعد من هذه الزاوية قضية حقوق بل قضية صراع ديني يهودي - اسلامي . لقد حققت الصهيونية حلمها الاول وهو اقناع الكثيرين في العالم بان العرب يكرهون اليهود لاسباب دينية وليس بسبب احتلال فلسطين وطرد الفلسطينيين من وطنهم . ما الذي ترتب على اعتماد معيار محاربة الكفر والكفار ونشر الاسلام في العالم وهو المعيار الاول للاسلامويين بدل مواصلة النضال من اجل استعادة حقوق مشروعة دون زج الدين واحكامه فيه ؟ نتيجتان ترتبتا على التمسك بمعيار الكفر والايمان الدينيين وهما : 1 – التطرف والغزو : التطرف الاسلاموي قدم لامريكا والصهيونية والغرب حجج وفرص أكثر مما توقعتا لشن حروب وغزوات على العرب كما حصل مع العراق ، الذي كان توقيت وسبب احتلاله واضحا وهو انه بدأ الاعداد له بعد ضرب البرجين في نيويورك يوم 11/9/2001 ، فتحت غطاء محاربة التطرف الاسلاموي تمت اكبر واخطر عمليات تدمير الاقطار العربية وهي غزو العراق وما ترتب عليها من اثار كارثية عليه وعلى كافة الاقطار العربية . تحت شعار محاربة الكفار الصليبيين قدم الاسلامويون المتطرفون اكبر واخطر فرص غزو امتنا وتدميرها . 2 – الاعتدال واكمال التدمير : بعد انتها دور التطرف الاسلاموي واداءه لكامل وظيفته المرسومة بدقة سلفا ، بدأ دور ( الاسلام المعتدل ) واقترن ذلك باطلاق امريكا والصهيونية لخطة سايكس بيكو الثانية والقائمة على تقسيم الاقطار العربية ، فبعد اكمال نشر الفتن الطائفية بواسطة التيارات الاسلاموية المتصارعة السنية والشيعية ، جاء دور فرض انظمة اسلاموية وصفت بالمعتدلة لتكمل ما بدأه التيار الاسلاموي المتطرف وهو تمزيق الاقطار العربية . وتحت تأثير ما سمي ب ( الرييع العربي ) او ( الثورات العربية ) بدأت امريكا والصهيونية بتنفيذ خطة خطيرة وهي نشر الفوضى الهلاكة ، ومن بين اهم شروط حصول ذلك هو شرط وجود ( الاسلام المعتدل ) في السلطة لضمان الانتقال الى مرحلة حروب المدن والاحياء داخل الاقطار العربية وحروب الاقليم الطائفية بين ايران الشيعية وتركيا السنية ومعها دول عربية اوصلت امريكا التيار الاسلاموي المعتدل الى السلطة فيها ! نتائج مدمرة لقد توفرت اهم الشروط المطلوبة لاكمال الكارثة وهي : 1 – أشعال حرب اهلية طائفية : ان ايصال امريكا لاسلامويين للسلطة في تونس ومصر الان هدفه الاكبر والاخطر هو نقل الصراعات الطائفية من مرحلة صراع الشارع الى مرحلة الصراع بين حكومة اسلاموية واخرين من طائفة اخرى او دين اخر ، الامر الذي يفضي الى تقسيم الاقطار العربية في النهاية لاجل ايقاف حمامات الدم بصفته اهون الشرور ! بتأثير وجود احزاب وكتل اسلاموية طائفية في الحكم تعد غير المسلم ( المسيحي والصابئي وغيرهما ) ذميا حتى لو كان عربيا ينحدر من نسل عدنان وقحطان ، والذمي مواطن من الدرجة الثانية مهما زوقنا ذلك ، وربما اقل ، تتوفر اسباب وحجج تدمير مفهوم المواطنة وتفتح الابواب امام حروب داخلية بين المواطنين حتى تصل مرحلة عجز الجميع عن ايقافها ، فتصبح دعوة الاجنبي لايقافها تحصيل حاصل لاجل انقاذ المسيحيين العرب من الاضطهاد . انظروا لما يجري في مصر خصوصا الى الاقباط ، وانظروا لما يجري في واشنطن من اعداد لتقسيم مصر بعد اعلان تأسيس دولة قبطية في الخارج تمهيدا لنقلها للداخل بعد ان تنضج ظروف مصر وهي لن يكتمل نضوجها الا بوجود تيار اسلاموي في السلطة . ان ما يكتبه موريس صادق من امريكا ليس رأيا فرديا بل هو ينطق بصوت المستقبل الذي ينتظر مصر اذا حكم الاسلامويون مصر فعلا . 2 – الاستقطاب الطائفي الاقليمي : ان ألايصال المبرمج للاسلامويين للسلطة هو ، وبدقة تامة ، ممهد حتمي لخلق استقطاب طائفي اقليمي يكمل الاستقطاب الطائفي داخل الاقطار العربية ! بروز مصر تحت حكم الاسلامويين بعد تركيا وايران ، ثم تصعيد الاسلامويين للحكم في تونس والمغرب وليبيا ، وربما في الاردن وسوريا واليمن وغيرها ، هو عملية منظمة بدقة ووضوح لخلق محورين رسميين اسلاميين اقليميين احدهما شيعي تقوده ايران والاخر سني تقوده تركيا ، وبمستوى دول في حالة صراع عدائي مزمن ينقل الطائفية من قضية داخلية الى قضية اقليمية ، وتحت ظله تصبح ظاهرة الكيان الصهيوني ظاهرة طبيعية وغير شاذة لان الجميع يعمل وفقا لافكاره واهدافه الدينية . في المعايير الستراتيجية المعروفة فان وجود هذين الاستقطابين ، الاستقطاب الطائفي داخل كل قطر والاستقطاب الطائفي الاقليمي ، يشكل اعفاء لاسرائيل ولامريكا والغرب الاستعماري من واجب التدخل المباشر والغزو ذو التكلفة المدمرة كما اثبتت تجربة العراق ، والاعتماد مباشرة على صراعات اساسها ومحورها ومحركها طائفي اسلاموي ، يقوم فيها عرب مسلمون بذبح بعضهم للبعض الاخر ، ويتميز كل طرف منهم من بانه اجل السلطة مستعد لتقديم كل الضمانات لاسرائيل وامريكا مثل المحافظة على التطبيع والاعتراف باسرائيل وابقاء القواعد العسكرية الامريكية او استضافتها بكرم طائي ، مقابل الاصرار على ذبح الطائفة الاخرى وحرمانها من حق الوجود ، وقبل هذا وذاك ذبح التيار القومي العربي المستهدف منذ اكثر من نصف قرن والذي تعرض ويتعرض للاجتثاث الدموي المستمر وبلا توقف ! هل ترون ان نتيجة الاحداث لا تطابق نوايا المنتفضين الاصلاء ولا ادعاءات انها ( ثورات ) عربية ؟ هل ترون الان كيف تحولت الانتفاضة الوطنية في تونس ومصر الى سلم لايصال الاسلامويين للسلطة وليس كنس الديكتاتوريات والفساد مع انهم كانوا خارج الانتفاضة او ضدها ؟ الا ترون معي الان بان بريجنسكي لا يبتسم وحده بل يبتسم معه نتنياهو وهما يريان عربا كثيرين لا يكلون عن التعتيم على الدورين الامريكي والاسرائيلي في اشعال ( الربيع العربي ) وادامة ( الثورات ) العربية ؟ انتبهوا الى تسلسل مواقف الاسلامويين الخطير منذ الخمسينيات وحتى الان والقائم على الاصطفاف المستمر مع الغرب الاستعماري في مراحل التحولات الخطيرة في العالم ودور هذه المواقف في التسبب بكوارثنا الوطنية والقومية . يتبع Almukhtar44@gmail.com
اوهام قبل الامس في عصر ما بعد الغد : نحن وامريكا وبيننا هولي وود ( ٣٠ )