هذا هو الفصل التاسع من كتاب (التاريخ السري لحرب العراق)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
عدد المساهمات : 547 تاريخ التسجيل : 08/07/2011
موضوع: هذا هو الفصل التاسع من كتاب (التاريخ السري لحرب العراق) الخميس ديسمبر 22, 2011 1:05 am
هذا هو الفصل التاسع من كتاب (التاريخ السري لحرب العراق) السابق الى بغداد - الحلقة الخامسة يواصل فيه مؤلفه السباق الى بغداد من الوجهة منتدى ملاك صدام حسين فكري - ثقافي - سياسي يوسف بودانسكي تاريخ النشر 21/09/2011 العسكرية ، لكن ابتداء من النهاية غير المتوقعة والتي يطلق عليها (لغز بغداد). إن بودانسكي يفسر هذا اللغز سيكولوجيا في اطار تغيير الخطط العسكرية للنظام وتدخل عوامل اقليمية ومذهبية. إنه يسرد بعض الوقائع ، لكنه في هذه الاثناء يبدو كأنه نسي ميزان القوى غير المتكافئ . يتحدث المؤلف عن مجريات الحرب ووقائعها ومراقبة السوفيت لوقائعها ودورهم في تقديم نصائح لصدام . في كل الاحوال يجب الا ننسى أن هذا الكتاب المليء بالمعلومات والملاحظات لا يخلو من توجيه رسائل ، كما ان بعض توصلاته السياسية تبدو غير مقنعة.
كان بودي أن أغير عنوان الفصل الى (لغز بغداد) المحير وكيف دخلتها أو تسللت اليها قوات الإحتلال في وضح النهار .لا معنى هنا للقول أن بضع دبابات وعجلات قتال مشاة أميركية قد انحرفت عن مسارها الأصلي نحو غرب بغداد أوشمالها الغربي واتجهت خطأ الى جسر السنك (الرشيد) أي في قلب بغداد . فما معنى فقدانها الإتجاه ؟
مبعث الحيرة متعدد الجوانب، فمن يتمعن في صمود مدن أم قصر والفاو والناصرية و(الكفل) توقع أن يشهد العالم ستالينغراد أخرى أو أكثر في كل مدن العراق الرئيسة الممتدة على طول الطريق الى بغداد وليس في بغداد وحدها . ومن يتمعن في معارك الناصرية وما ألحقته من اذى بمشروع وخطط الإحتلال فله كل الحق بان يشهد ملاحم بطولية. لقد اوقعت قوات الدفاع والمقاومة العراقيتان يوم 23 آذار ضربة موجعة بقوة أميركية كبيرة تراوحت بين سرية دروع وعجلات قتال مشاة مختلطة (مجموعة قتال باسم ليما بقيادة العقيد دودي الذي اعفي من القيادة لفشله في معارك الناصرية) وعلى حد قول بعض المصادر ادت الى تدمير جحفل معركة (فوج أو كتيبة مختلطتين ) وأخرجت فوج سمتيات أباشي من الخدمة بعد ما ألحقته من أضرار بأبدان السمتيات وأسقطت ودمرت سمتية واحدة وأسرت طاقم سمتية اباشي أخرى كان بين أفرادها المجندة جيسيكا لينج (التي اعتبرت المصادر الأميركية قصة انقاذها من مستشفى الناصرية كأنه معجزة عسكرية) . وقد أدعى كتاب (الزحف) أن القوة التي ضربت كانت عبارة عن رتل (ذيل ) إداري لا يحسن سواقو عجلاته حماية أنفسهم والإنتشار الأمين ؛وقيل أن المجندة جيسيكا كانت في دورية استطلاع ظلت طريقها ومرت وسط الناصرية خطأ وبعد خروجها من طرف المدينة الشمالي أدركت خطأها وأضطرت للعودة من نفس الطريق فاسرت هي وقتل وأسر أخرون. ثم اعترف كتاب الزحف بمقتل (80) جندياً في ذلك اليوم . معارك الناصرية الأمر المهم والأخطر من كل ذلك أن معارك الناصرية فرضت توقفاً وشللآ تامّين على العمليات العسكرية لقوات الإحتلال إذ أقر الجنرال مككرينين فرض وقفٍ قسري (مفتوح ) قد يستمر أسابيع أو أشهراً الأمر الذي أثار قلقاً بالغاً في لندن وواشنطن .
كان سببا التوقف الرئيسين هما : 1. قلة القطعات ؛ولا بد من انتظار وصول وتكامل فرقة المشاة /4 التي رفضت تركيا مرورها عبر أراضيها الى شمالي العراق وكذلك رفض السعودية والأردن مرورها أيضاً عبر أراضيهما وقبلته الكويت . 2. توفير حمايات كافية لخطوط المواصلات الطويلة بسبب الغارات والكمائن العراقية التي أجبرت قوات المحتل على الاكتفاء بالنزر اليسير من مواد تموين الحرب الرئيسة . وقد أثار هذا التوقف قلقاً ويأساً بين القطعات الأمامية التي فوجئت بالإستعدادات والترتيبات العراقية. لخص الفريق وليام .أس . وولس قائد الفيلق الخامس الأميركي الأمر بقوله: "يختلف العدو الذي نقاتله [في العراق الأن] عن العدو الذي قاتلناه في لعبات الحرب إبان الإستعدادات [لغزو العراق]" - كتاب الكارديان ص -108.
بوسعي الإستعانة والإستشهداد بالكثير من الأقوال والكتابات، ولكن ما لم يمكن تصديقه إطلاقاً أن تترك بغداد دون دفاع . لقد تحدث أحد كبار القادة العسكريين العراقيين عن مصاعب الدفاع عن بغداد وما قد تتكبده القطعات العراقية من خسائر أو موت (150) ألف مواطن .كان بوسع النظام العراقي تجنيب بغداد ويلات الحرب والإحتلال بإعلانها مدينة مفتوحة ! أما متى يمكن فعل ذلك وكيف .. فليس هنا مجال الخوض فيه .لقد نسي القائد آنف الذكر أن أموراً كهذه لا تترك لحسمها في وقت متأخر أو حين يكون العدو على الأبواب. ولاحاجة لنا بالتذكير أن سقوط العاصمة يعني وفي حالات كثيرة انتهاء الحرب واستسلام الطرف الخاسر .
قيل الكثير عن خطط الدفاع عن بغداد، وعن تخطيط دفاع استراتيجي بتقسيم العراق الى أربعة خطوط أو دوائر دفاعية ، يبدأ الأول من الحافات الحدودية كالبصرة والرطبة لخوض معارك التعويق الأولى، وعلى قوات هذا الخط أو ما بقي منها قادراً على القتال الإنسحاب أو التراجع -إن ساعد الموقف -الى الخط الثاني عند الناصرية والعمارة وربما الكوت كخط تعويق ثاني، ثم الحلة وكربلاء والمحمودية كخط تعويق ثالث، و أخيراً الى دفاعات بغداد كخط رابع وأخير وبلون "أحمر" حيث ستدور معارك النظام الأخيرة . ولا أدري أكانت هذه خطط حقيقية أم نشرت على سبيل التضليل والمخادعة . لذا لن اتوقف عندها طويلاً ولاسيما أنها لا تلقي أية أضواء على (لغز بغداد) ! حرب العصابات ورد في تقارير المقدم [ الكيمياوي أكرم الدباغ] عن اجتماع هام لصدام ونخبة من أخلص القادة ومن أعوانه أقر فيه بعزم الولايات المتحدة على احتلال العراق ، وعليه لابد من التحول وسريعاً الى حرب العصابات بعد مقاومات ومعارك إعاقة بسيطة. من اجل هذا أخفت القيادة الكثير من أسلحة ومعدات حرب العصابات في مواقع سرية ومزودة بأسماء سرية ومشفرة لا يعرفها الا صدام ونفر قليل مختار . إن انكشاف أماكن أو أسماء ( الكود) لأي من تلك المواقع سيؤدي فيما سيؤدي اليه إعدام آمر الوحدة المعنية فوراً وعلانية . ومع ذلك سأواصل البحث عن ألغاز معركة بغداد . لنعد الى الفصل الثالث من : السباق الى بغداد....
الطائرة البيلاروسية بعد فشل الضربة القوية في 27 أذار/مارت ظهرت أولى علامات فقدان الثقة على [نظام ]بغداد . ورغم أن معظم الإشارات والظواهر السائدة كانت توحي بأن بغداد مازالت واثقة من قدرتها على امتصاص/إحتواء أو حتى دحر الهجوم المعادي في النهاية، فقد طلبت بغداد من موسكو بيان رأيها بالموقف الحربي عموماً. عندها أو بعدها كسر الحاجز النفسي وبدأ صدام يفكر فيما لا يمكن التفكير به حتى الأن– أي سقوط بغداد بيد الأميركان . لذا طلب فوراً من روسيا البيضاء (بيلاروسيا) (التي طالما عرضت عليه ملاذاً آمناً) تسهيل إخلاء عاجل لأفراد عائلته، وكبار مسؤوليه ، وكنوزه ، وأرشيفه. وفي يومي 29 و30أذار حطت طائرة نقل خاصة( أليوشين-76) ولفترات قصيرة في مطار صدام الدولي ونقلت ومباشرة الى (منسك) في بيلاروسيا حمولات بالغة الأهمية وأشخاصاً .حلقت الطائرة عبر الأجواء الأيرانية ، فلم تحاول أيران التدخل في المهمة. أرسل عدي الى منسك في الرحلة الأولى ليشرف على ترتيبات سفر العائلة بكاملها .أثارت الفوضى والإضطراب في المطار شائعات عن هرب صدام وعائلته من البلاد .
نصائح روسية وفي 30 آذار قدم الخبراء العسكريون الروس [تقديراً] مفزعاً للموقف الحربي الى صدام حسين وحلقته الداخلية . تضمن تقرير الإستخبارات الروسية GRU,s في 30 آذار أسس وخلاصات التحليل الروسي الى الكرملين : نصح الخبراء الروس القيادة العسكرية العراقية ألا تتمادى في تفاؤلها المفرط . لا شك في أن الحرب الصاعقة blitzkrieg التي شنتها U.S قد فشلت في احتلال العراق ولا في تدمير جيشه بعد ، و من الواضح أيضاً أن الأميركان قد توحلوا في العراق وأن حملتهم العسكرية سقطت في مطب لزج. ورغم ذلك فالقيادة العراقية الآن في خطر الإستهانة بقدرات العدو، وحتى الآن ما من سبب معقول للتشكيك بعزم الأميركان ولا بتصميمهم على تحقيق أهدافهم – إكمال غزو العراق . وفي الواقع وبغض النظر عن بعض أغلاط القيادة العليا للتحالف وحساباتها الخاطئة ألا أن قطعاتهم التي دخلت العراق كانت بقدرات واستعداد قتالي عاليين مع رغبة قوية بالقتال. والخسائر التي تكبدوها خلال الأثني عشر يوماً الماضية من القتال ليست ذات شأن نهائياً من الناحية العسكرية . لقد ظلت المبادأة بيد التحالف. تحت ظل ظروف كهذه فإن يعلن العراق أو يتحدث عن نصر سريع على العدو فذلك سيربك قطعاته والشعب العراقي معاً، وفي النتيجة سيؤدي ذلك الى إحباط المعنويات والى خفض وتردي القدرات الدفاعية.
أخذ صدام حسين النصيحة الروسية بجدية عالية، وبدأ وعلى الفور إجراء تعديلات سياسية هامة قد تغير مسار الحرب . في صباح 31 أذار بدت أولى العلامات الدالة على أن بغداد تعيد التفكير باستراتيجيتها واضحة للعيان: فخلال الليل تحركت عناصر من فرقة بغداد /حرس جمهوري شمالاً عبر[ نهر] دجلة دون أن تدمر الجسور (عدم تدمير الجسور بعد ترك المنطقة نهائياً سيكون له عواقب وخيمة على الدفاع العام بكامله) وانفتحت شمال الكوت، بعيداً عن ميدان المعركة . ثم تحركت فرقة نبوخذنصر حرس جمهوري باتجاه جنوب شرق نحو الفلوجة ومن ثم نحو كربلاء من الغرب لتعزيز الدفاع فيها ضد فق مش آلية/3 الاميركية. وفي الوقت نفسه هاجمت عناصر من فق/101 صولة جوية فرقة نبوخذنصر حرس جمهوري ولكنها لم تستطع إيقاف تقدمها.وصلت قوة الواجب /20؛ وعناصر من فق/101صولة جوية "سدة الهندية" وبعد اشتباك قصير ولكن عنيف للغاية تمكنت من منع العراقيين من فتح أو تخريب السد لإغراق جيب كربلاء. نشطت فق/101صولة جوية قريباً من المسيب بحثاً عن ثغرة أو نقاط واهنة بين مواضع (قواطع) الوحدات العراقية قد تستطيع فق مش آلية/3 اختراقها في طريقها الى بغداد . أزمة القيادة العراقية في 31 آذار وفي الوقت الذي دارت فيه كل تلك الإشتباكات كانت القيادة العراقية العليا وعلى الأخص في جيب كربلاء وسط أزمة كبيرة. فخلال ذلك اليوم وصل موفدون رفيعو المستوى من بغداد لملاقاة كبار القادة ومعهم مذكرة مهمة تذكر أولئك القادة بأن لديهم أوامر محددة وأن عليهم التقيد بها حتى لو لم يسمعوا [شيئاً] من صدام . تقضي تلك الأوامر من حيث المبدأ "الدفاع حتى الموت" . لكن ما حدث هو العكس فوصول هؤلاء المبعوثين كان كافياً لإحباط معنويات أولئك الذين واصلوا القتال ببسالة وعزم حتى تلك الساعة . ولم يكن هذا الإحباط دون سبب إذ فسر القادة مذكرة صدام تلك لهم بأن القيادة على وشك الهرب تاركة إياهم ليموتوا لأجل قضية خاسرة. وفي الحقيقة فقد بدأ بعض كبار الضباط يتبادلون همساً ما لم يجرؤوا أو يخطر على بالهم حتى الأن – أي الإبتعاد عن صدام.
تسلم كبار القادة العراقيين الموجودين في قاطع كربلاء نتفاً مهمة من أخبار جديدة ذلك اليوم ولكن هذه المرة من بعض شيعة الجوار . فخلال عطلة نهاية الأسبوع 28-30أذار وإدراكاً منها لطبيعة وجو الأزمات في بغداد اتخذت طهران قراراً حاسماً بخصوص الحرب الدائرة في العراق، قرار يقضي بعدم التدخل بتحرك الولايات المتحدة لإسقاط نظام صدام . لذلك فقد ابلغت السكان الشيعة بتأجيل "انتفاضتهم" الكبرى المقررة ضد النظام . وفي الوقت نفسه ضغطت ايران كي يمتنع الشيعة عن مساعدة الولايات المتحدة بأي شكل كان وبالذات بعدم الإقرار بشرعية وجودهم في العراق . وفي الأساس اختارت ايران وشيعة العراق الوقوف بعيداً بينما كانت الولايات المتحدة ونظام صدام يسفحان دماء بعضهما البعض، ثم [وبعد انجلاء الموقف ] ستطلق طهران القوى الشيعية النشطة للإمساك بالسلطة وطرد الأميركان . لقد وصلت تعليمات طهران الى القيادة [الشيعية] في النجف وكربلاء في 30 أو 31آذار- وقد وصلت هذه التعليمات بنفس وقت وصول مبعوثي صدام آنفي الذكر . استخلص كبار الضباط العراقيين بأن نظام صدام قد انتهى وأن ما من شيء يمكن فعله لنظام يموت – ادراك تسبب بتغيير جذري في الدفاع العراقي لعدة ايام في ما بعد. يورد الكثير من كبار رسميي الدفاع والإستخبارات العرب والإيرانيين بأنه ونحو 1 نيسان/أبريل اتصل موفدون من مختلف فصائل المعارضة بما فيهم مدعو العلاقات مع الغرب بالعديد من كبار الضباط سواء في جيب كربلاء أو الضواحي الجنوبية لبغداد .أقنع هولاء الموفدون الضباط بالتوصل الى تفاهم مع الإيرانيين من خلال موفدي ايران الموجودين بين السكان الشيعة . كانت الصفقة المقترحة تتماشى مع خطوط الإتفاق الذي تم في طهران بين أحمد الجلبي والحكيم وقادة الكرد عشية الحرب . توصلت ايران في الأساس الى صفقة مع أعضاء من القيادة العراقية العليا[!] تسمح بالإطاحة بصدام على أن يتولى ما سيتبقى من تلك القيادة [العليا] انشاء عراق اسلامي جديد خلفاً لصدام. وأكثر من ذلك ،وبمباركة قادة الشيعة في النجف وكربلاء أجرى عدة ضباط تكارتة مفاوضات سرية في منطقة الفلوجة . كما بحثوا في فرص التنسيق مع عراق اسلامي بعد صدام – ولكن بدون طابع شيعي . شهد 1/نيسان هجمات وكمائن في مناطق مختلفة من المنطقة الصحراوية غربي العراق وعلى الأخص بالقرب من الحدود السورية يشنها كوماندوز عراقيون . حاولت تلك المجموعات منع وعرقلة دخول وتقدم القوات الخاصة للتحالف . وعلى طول الطريق الى بغداد اتسم معظم ذلك القتال بطابع هجمات السبر [جس النبض ]من الطرفين . فالقوات الأميركية والعراقية ما زالتا بعد تحاولان تفهم الموقف الكلي فيما بدا كمعركة حاسمة ووشيكة في كل الحرب .كثفت الولايات المتحدة قصف بغداد وبالمقابل أطلقت صواريخ (الصمود) على الحشود الأميركية قرب النجف، فقوطع أحدها بصواريخ باتريوت وسقط الأخر في الصحراء دون أن يلحق أذىً بأحد . وبعد زوال مخاطر الفيضان والإغراق احتلت عناصر من فق مش آلية/3 جسراً رئيساً على الفرات قرب الهندية على مسافة 50 ميلاً من بغداد . كثف القصف الجوي على فرقة المدينة – حرس جمهوري لتسريع تقدم فل/5؛الى بغداد ، وقد ادعى الأميركان أنهم دمروا نصف تلك الفرقة ألا أن ذلك كان مجرد مبالغات غير موثوقة . وأكثر من ذلك فالقسم الأكبر (الكوكب) من قطعات فق مش آلية/3؛ مازالت تتخبط وسط الكمائن العراقية وعجزت حتى عن احتلال الجسر . فالفرقة ما زالت تشق طريقها زحفاً ولكن بدأب نحو بغداد .
في هذه المرحلة واصل العراقيون من قطعات الحرس الجمهوري والجيش النظامي المتمركزين على الخط الدفاعي الحلة –الهندية –كربلاء –القتال بعنف . فضلت الوحدات الموت دفاعاً عن صدام ولم تجر سوى انسحابات نادرة لبعض تلك الوحدات فقط . كان التقدم الأميركي هامشياً في أحسن الأحوال برغم شن بعض قطعات فل/5؛هجمات عنيفة وعزومة في محاولات لاختراق الدفاعات العراقية على حافة المراكز السكانية. كان الإندفاع الرئيس باتجاه المثلث الذي يضم كربلاء والهندية والإسكندرية .كما واصل الأميركان صراعهم لنقل التعزيزات والإمدادات بما فيها نقل لواء من فق/82محمولة جواً وسط الكثير من الكمائن والإشتباكات والقصف المدفعي على طول الطريق من الكويت . وكانت أشرس جيوب المقاومة في الناصرية والسماوة وأبو صخير والنجف .
لاحظت الإستخبارات الروسية أنه "كي تواصل الوحدات الأميركية تقدمها فقد اضطرت لترك أعداد كبيرة من جنودها وراءها لمحاصرة وتطويق المدن التي ما زالت تحت سيطرة العراقيين". وأكثر من ذلك فإن فق/1 مارين التي يفترض توليها تطويق ومنع وصول التعزيزات من الكوت، ومقاتلة الجناح الشرقي للدفاعات العراقية، مازالت هي نفسها مشتبكة بقتالات موهنة مع قوات عراقية غير نظامية في الديوانية وعاجزة عن الوصول الى الحلة في الوقت المحدد . نجحت قوات مارين أخرى باجتياح دفاعات "قلعة سكر" وواصلت تقدمها نحو الكوت التي ما زالت بعيدة . في 2/نيسان قوى فل/5 سيطرته على الطريق الرئيس الى بغداد لأجل مواصلة تقدمه حتى لو أضطر الى ترك تشكيلات عراقية كبيرة خلفه . وجدت القيادة الوسطى أنها لا تملك قطعات كافية ولا الوقت لمعالجة جيوب المقاومة. وفل/5 ماضٍ بمواصلة تقدمه الى قلب بغداد على أمل أن يقنع ذلك القطعات العراقية التي تخطاها بالإستسلام حال إدراكها أن الحرب قد انتهت . ولكن القصف الجوي ضد تلك الجيوب سيستمر .و أخيراً كان هذا العمل خطوة ومغامرة شجاعة من قبل القيادة الوسطى اذا تذكرنا سجلها بالاستهانة بالمقاومة العراقية . وقال المبتهج دائماً ووزير الدفاع دون رامسفيلد للـ CNN بأن لدى القوات الأميركية ضوءا أخضر لاجتياح بغداد وما من خط رجعة للقيادة الوسطى .
في الوقت نفسه اقترب ل1 من فق/ 1 مارين من الكوت، لكنه لم يصطدم بالقوات الرئيسة المدافعة عنها بما فيها فرقة بغداد حرس جمهوري بعد. تسللت وحدات صغيرة من فق مش آلية/3 بين الدفاعات العراقية في محاولة للوصول الى الطرق المؤدية الى بغداد .اكتنفت جميع هذه التحركات اشتباكات وكمائن وغارات متواصلة. ومع بدء تقدم المارينز نحو الصويرة حيث تقع مقرات كبرى للحرس الجمهوري وتحرك العناصر الأمامية من فق مش آلية/3 نحو المسيب ومن ثم الى الأسكندرية قلق البعض لدخول هذه القطعات مناطق مزدحمة حيث تغدو صيداً سهلاً للكمائن . ولو تذكرنا ضخامة الوحدات العراقية الموجودة في المنطقة وعلى الأخص تلك المختبئة داخل المدن الشيعية فقد تتعرض الوحدات الأميركية الأمامية للتطويق وبالتالي يمكن تمزيقها ولا وجود لنجدات وتعزيزات قريبة . انكمش فل/5 بفعل المخاوف الجديدة من هجوم كيمياوي بعد التقاط الولايات المتحدة رسالة من كلمة واحدة (دم) –(Damm (blood)- الى القطعات العراقية . كانت الرياح مثالية لهجوم بالغاز.ومع ذلك أمر فل/5؛ بمواصلة بل وتسريع التقدم . في الوقت نفسه حاولت القوات البريطانية يائسة انهاء [ قتالات] الإعاقة وهي معارك غير حاسمة في جنوبي العراق . وخلال ليلة 23 آذار اندفع الكوماندوز العراقي من البصرة ونصب كمائن كبيرة للدوريات البريطانية ، وفي 24 آذارأضطرت القوات البريطانية في المنطقة للانسحاب وإعادة تقويم موقفها وبأساليب قتالها .وقد أورد قائد بريطاني كبير في الساحة : "المقاومة العراقية الشديدة –بما فيها هجمات القوات غير النظامية التي تحاول تطويق المنطقة باستخدام النسوة والأطفال والخداع – تعمل على إجبار القطعات البريطانية على الإنسحاب من البصرة لإعادة التنظيم" .
كذلك شنت القوات العراقية في أم قصر هجوماً مقابلاً كبيراً ضد البريطانيين . كانت مفاجأة لأنها وقعت بعد يوم من اعتبار أم قصر تحت سيطرة التحالف تماماً . وبغض النظر عن القصفين الجوي والمدفعي المتواصلين ظلت أم قصر صامدة بأيدي العراقيين ، وأن قوات التحالف –ومعظمها بريطاني – لم تجتح المدينة خوف التورط في حرب مدن وقتال شوارع . وحتى ليلة 24 آأذار لم يسيطر البريطانيون الا على الطرق الإستراتيجية المارة عبر أم قصر ولكن الإشتباكات العنيفة تواصلت في المناطق السكنية .
تصاعدت المقاومة العراقية في البصرة في اليوم التالي حين تقدمت خمسون دبابة معززة بمدفعية ثقيلة خارج المدينة لمقاتلة البريطانيين باتجاه مطار البصرة . كان هجوماً مقابلاً شديداً شن أساساً لمهاجمة المؤخرات البريطانية الخفيفة العمق . ولكن الإسناد الجوي الكثيف وعلى الأخص إسناد الطائرات من على حاملة الطائرات "رويال أرك" والتي دمرت 7 دبابات بعد مطاردتها بطيران واطئ عبر شوارع المدينة مما أجبر العراقيين على الإنسحاب الى أماكن أمنة وسط الأحياء السكانية المزدحمة . منتدى ملاك صدام حسين فكري - ثقافي - سياسي
هذا هو الفصل التاسع من كتاب (التاريخ السري لحرب العراق)