ازمة الوعي الاحول : الرؤية المعطوبة ( ح٨ ) صلاح المختار لو امطرت السماء حرية هناك عبيد سترفع الشمسية مثل ب – العداء لشعب لبنان : تعرض لبنان لاسوأ محنة في العصر الحديث بعد اندلاع الحرب الاهلية في عام 1975 عندما دخل الجيش السوري اليها ، بقرار امريكي في عام 1976 وبرغبة جامحة من نظام الاسد ، تحت غطاء ايقاف القتال بين المعسكرين اللبنانيين المتحاربين ، لكن الجيش السوري والمخابرات السورية بدل انهاء القتال وتصحيح الاوضاع زرعا الغاما قاتلة تفجرت لاحقا بطريقة متسلسلة جرت لبنان الى حالة اسوأ واخطر مما كان . لقد شهد لبنان تكون وبروز ادوات الفساد والابتزاز التابعة للنظام السوري والتي تركزت جرائمها على نهب واضطهاد الشعب اللبناني وتجريد الدولة اللبنانية من اي سلطة سيادية من جهة ، والى اتباع وسائل بالغة الفعالية لاحتواء المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية تمهيدا لتحطيمهما من جهة ثانية . لقد اصبح جيش الاسد عصابات تسرق اموال الناس وتبتزهم وتطلب الرشا علنا ، فلم تبق مدينة لبنانية دخلها النظام السوري الا ونكبت بالنهب والظلم الذي مارسته مخابرات الاسد وضباطه ، وهكذا زرعت الكراهية في نفوس بعض ابناء الشعب اللبناني ليس ضد النظام فقط بل ضد السوريين عموما ، وهذا ما لمسه النظام حينما اضطر للانسحاب من لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري حيث كان هذا البعض يقولها بالقلم العريض لقد تخلصنا من الحرامية والعصابات . ومما يجب ان لا ننساه ابدا لدلالاته البارزة على هوية وارتباطات نظام الاسد بامريكا واسرائيل ان دخول قوات اسد الى لبنان كان بضوء اخضر امريكي معروف كانت له عدة اهداف محسوبة امريكيا واسرائيليا واهمها : 1- منع انتصار تحالف المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية على المعسكر المضاد وكان ذلك التحالف في ذروة التقدم الناجح لحسم الصراع فاوقف الزحف الوطني وانقذ الطرف الاخر من الهزيمة الشاملة والتي كان مفروضا ان تكون مقدمة لحل ازمة لبنان كلها بتحريرها من النظام الطائفي واقامة نظام علماني متحرر من الطائفية بقيادة القوى الوطنية اللبنانية التي كان يقودها الشهيد كمال جنبلاط ، لذلك فان تدخل قوات اسد منع تحقيق الاصلاح الحقيقي والجذري للطائفية اللبنانية وعززها ورسخها . 2- منع المقاومة الفلسطينية من تأسيس قاعدة عمل : كانت اخطر الازمات والتحديات التي واجهتها المقاومة الفلسطينية هي ازمة الافتقار الى قاعدة تمركز وانطلاق ثابتة نتيجة احتلال فلسطين وانطلاقها من المهجر الى الداخل اعتمادا على عدة اقطار لم يكن بينها اي نظام حكم مستعدا لجعل قطره قاعدة الانطلاق والقيادة والتحكم ، ولذلك كان الخيار اللبناني قد فرض نفسه بعد حصول تحالف ستراتيجي بين المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية بلور فكرة جعل جنوب لبنان الذي يشرف على شمال فلسطين المحتلة قاعدة التمركز والانطلاق للعمل المقاوم لكي تستطيع تحقيق الاشتباك المطلوب مع العدو الصهيوني من خلال جنوب لبنان وقيادتها متحصنة في ارض امنة نسبيا فتطور العمل المسلح تدريجيا ليصبح الوسيلة الرئيسة لانهاك الكيان الصهيوني ودفعه للتفكك والانهيار . من هنا لابد من تذكر ان هذا التحالف اللبناني - الفلسطيني كان اهم تحد واجه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الامريكية وكان عليهما منع حصوله باي ثمن وطريقة لانقاذ الكيان الصهيوني من كارثة انشاء قاعدة انطلاق ثابتة في جنوب لبنان لتحرير فلسطين . وهنا جاء دور حافظ اسد بحرمان المقاومة والحركة الوطنية اللبنانية من ازالة العقبات التي كانت تعترض طريق جعل لبنان منطلقا لمواصلة المقاومة المسلحة ضد اسرائيل ، فدخل جيش اسد لبنان بينما كان تحالف المقاومة والحركة الوطنية كان على وشك انهاء الصراع بتحقيق انتصار تاريخي فمنع ذلك وانقذ اليمين اللبناني واعاد لبنان الى حالته الطائفية وان كان بصورة اكثر خطورة مما سبق . 3- تحويل جنوب لبنان الى منطقة عزل طائفية : هيأ حافظ اسد ، بتخطيط مخابراتي سوري – ايراني مدعوم اسرائيليا وامريكيا ، لاخراج المقاومة والحركة الوطنية اللبنانية من الجنوب رغم انه كان المنطلق الوحيد وقتها لعمل المقاومة ، وباشرافه ودعمه مكن حركة امل ثم حزب الله من تحويل الجنوب الى مقاطعة طائفية يسيطر عليها دون منازع ، بعد معارك دامية خاضتها حركة امل مع المقاومة وارتكبت خلالها مجازر بشعة ضد الشعب الفلسطيني من اجل احكام السيطرة على مناطق الجنوب وبيروت ايضا وبعد سلسلة اغتيالات لقادة وطنيين لبنانيين مقاومين نفذها حزب الله والمخابرات السورية ، فتحول الجنوب اللبناني الى منطقة سيطرة لحزب الله ومنعت المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من القيام باي عمل مسلح ضد اسرائيل انطلاقا منه . وتلك الخطوة كانت اكبر نجاح لمخطط اسرائيل القائم على القضاء على الهدف الستراتيجي الكبير وهو انشاء قاعدة انطلاق مستقلة وثابتة وامنة للمقاومة الفلسطينية وحليفتها الحركة الوطنية اللبنانية التي اغتالت المخابرات السورية زعيمها كمال جنبلاط . 4 – مقاومة طائفية تخدم ستراتيجية ايران التوسعية : بعد السيطرة على الجنوب اللبناني بدعم نظام اسد المباشر لانصار ايران حول مفهوم المقاومة من مفهوم وطني تحرري الى مفهوم طائفي جعل من حزب هويته طائفية وجماهيره من طائفة واحدة المقاوم الوحيد المسموح له بممارسة المقاومة من الجنوب ، بحجة ان الجنوب شيعي واهله شيعة ولا يحق لغير حزبهم الشيعي التحكم في الجنوب . وهكذا بتجيير كل عمل المقاومة لصالح حزب الله اكتسب سمعة طيبة خصوصا بعد تحرير جنوب لبنان في عام 2000 لكنه تحول تدريجيا الى دولة داخل الدولة اللبنانية ثم اصبح اقوى منها عسكريا وماليا وتنظيميا ومعنويا . وبدأت الخطوة الستراتيجية المطلوبة ايرانيا واسديا وهي استثمار السمعة الطيبة لحزب الله في تسويق النفوذ الايراني ونشره ليس في لبنان فقط بل في كافة الاقطار العربية ، لان تأثير حزب الله ازداد بعد حرب عام 2006 واصبح اخطر وسيلة لتجنيد مثقفين وساسة عرب لخدمة المخطط الاستعماري الايراني في الوطن العربي ولكن تحت غطاء دعم العمل المقاوم ! لذلك اصبح ممكنا تحويل لبنان او المناطق التي يسيطر عليها حزب الله الى منطلقات وقواعد ليس للمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية بل الى قواعد ومنطلقات ايرانية لتأسيس الهلال الصفوي خصوصا بعد غزو العراق وازالة اخطر واكبر عقبة امام التوسع الاستعماري الايراني . 5 – التمهيد لصراع طائفي اخطر : بقيام النظام السوري يتنفيذ تلك الخطوات بالتنسيق الكامل مع ايران ، وبمباركة امريكية صهيونية ، نجح في تعميق الازمة الطائفية في لبنان ونقلها من مرحلة الاستقرار الطائفي الذي تعتوره اضطرابات بين فترة واخرى الى مركز صراع ميليشيات طائفية سنية – شيعية بعد حرب عام 2006 نتج عن تفوق حزب الله على الجميع عسكريا وبدأ عملية استثمار قوته العسكرية لفرض امر واقع جديد وهو ان لبنان تابع لايران وسوريا فاصبح ذلك محفزا لبروز تيارات طائفية سنية مسلحة تحت غطاء مواجهة تحديات حزب الله وايران . وهكذا وضع الشعب اللبناني في موقع اعتبار النظام السوري عدوا له ، وذهب بعض اللبنانيين الى اعتبار سوريا كلها عدو للبنان . ج – معاداة الشعب الفلسطيني ومقاومته : نفذ حافظ اسد خطة احتواء الامل الاعظم للشعب الفلسطيني وقتها وهو المقاومة الفلسطينية والتي رفعت المعنويات واعادت الثقة بان تحرير فلسطين ممكن وقادم ، لكن تأمر اسد على المقاومة الفلسطينية اوصلها الى نتيجة مؤسفة بعيدة عن التحرير ، فقدم لها دعما ماديا محدودا مع دعم سياسي واعلامي كبيرين ولكن ليس للوصول الى تحرير الارض بل لامتلاك صورة المقاوم للكيان الصهيوني والداعم للمقاومة الفلسطينية ، وبهذه الصورة يستطيع اسد تنفيذ مخطط فشلت في تنفيذها انظمة تعادي المقاومة رسميا وعمليا . بتكتيك الاصطفاف مع المقاومة وتبني شعاراتها اخترق اسد ومخابراته الفصائل واخذ يتلاعب بها يضعفها ويمزقها ثم بعد ان اصبح وصيا عليها اخذ يجرها بقوة الى ساحة الاعتراف باسرائيل والتخلي عن هدف تحرير فلسطين وقبول الحل السلمي وفقا للقرارين 242 لعام 1967 و338 لعام 1973 واللذان قاما على مبدأ الاعتراف باسرائيل مقابل السلام العادل وهي ستراتيجية تبناها اسد وبدأ يصفي او يضعف اي فصيل فلسطيني يتمسك بالميثاق الوطني الفلسطيني الاصلي . الان وبعد ان اصبح مطلب الاعتراف باسرائيل مقبولا من قبل اطراف فلسطينية وصار الهدف هو دويلة في الضفة الغربية وغزة فان الفضل الاكبر في اجبار الفصائل على تغيير ستراتيجية تحرير فلسطين كلها هو نظام اسد . في هذه العملية المعقدة والمموهة نجح النظام في التخلص من الخط المقاوم وفرض الخط المساوم ، وذلك اهم اهداف اسرائيل وامريكا . ونجح كذلك في اثارة حساسيات بين الشعب الفلسطيني والشعب السوري ، تماما مثلما فعل مع لبنان والعراق ، وذلك ايضا من اهم اهداف اسرائيل وامريكا لان العداء او الحساسيات بين ابناء الشعب العربي الواحد مقدمة لمنع التوحد تحت راية واحدة لمقاومة اسرائيل وتسهيل تحقيق هدف امريكي بارز وهو اختراق الضمير الشعبي العربي من خلال الحساسيات المفتعلة . ان هذه السياسات التي وضعها حافظ اسد وحكام ايران لاجل تحطيم المقاومة الفلسطينية وتعميق الازمة الطائفية في لبنان وخلق عداوات بين ابناء الشعب العربي اشعلت اخطر الازمات في الاقطار العربية وفيما بينها ، وكانت العامل الاول في استنزاف الامة العربية وتراجعها وتعزز الوجود الصهيوني وتقدم النفوذ الامريكي في الوطن العربي . ولكن يمكن تمييز العلاقة مع ايران من بين هذه السياسات الاسدية الخطيرة لتقدم لنا الدليل الاكثر وضوحا على خيانات اسد ونظامه وخروجه على ابسط وكل شروط الانتماء الوطني والقومي ، ولذلك لابد من تناول طبيعة العلاقة بين حافظ اسد وايران ودورها في التدمير المنظم للامة العربية ودعم الصهيونية وامريكا عبر تأشير المعاني الستراتيجية لتلك العلاقة . يتبـــــــــــــــع ... Almukhtar44@gmail.com